الأحد، 3 أكتوبر 2010

التغيير يبدأ من الداخل

إن كل إنسان عاقل يطمح دائما إلى الأفضل ، ويرغب في التجديد والتغيير والرقي بنفسه في سلالم الكمال ، وهذه جبلة وفطرة طبيعية ..
نرغب دوما في أن نصلح من حالنا دينيا ، ونكون من أولياء الله المتقين ، ونرغب أن نكون من المنفقين في سبيل الله ، نرغب أن نقضي على عادات سيئة تعودناها ، أو أفعال مشينة صارت عادة وطبعا متحكما فينا ، كما نرغب في أن نحسن دخلنا واقتصادنا ، ونرقى بأنفسنا ماديا ، ونتطلع إلى الإبداع الفكري والمعنوي ، وتهفو نفوسنا إلى أن ننظم حياتنا ، ونرتب أولوياتنا ، ونستغل أوقاتنا ، ونؤدي ما علينا دينيا واجتماعيا وأسريا ، ونطمح بلا شك أن نخدم أمتنا ، ونقدم لها شيئا من مجهودنا ..
نطمح ونطمح ونأمل ونرجو ونحلم وننشد ونرغب .. ولكن متى ؟
أما ( متى ) هذه فإنها تختلف من فرد وفرد ، بحسب الأحداث الكبار التي لم تمر به بعد ، أو يتوقع حصولها قريبا أو بعيدا ..
فمن قائل : عندما أتزوج أبدأ التغيير وأنظم حياتي المبعثرة ، وأحسن دخلي ، وأصلح من حالي مع ربي ، ومن قائل : مشكلتي هذا البيت القديم العتيق ، وعندما أبني بيتا فخما بإذن الله سأصلح ما فسد من أمر ديني ودنياي ، وآخر يردد : هذه السيارة ( التعبانة ) بهدلت حياتي ، وعندما أشتري سيارة من الوكالة في عام كذا ستترتب أموري وأسير للأفضل ، وآخر : عندما أتقاعد وأتفرغ سأبدأ في بعض النشاطات الدعوية والإصلاحية !! ، وبعضهم : فاتورة هاتفي كبيرة ، وكله من نظام ( الخط ) ، سأفتح نظام ( حياك ) لأقلل من مصروفي ، ليبدأ – ربما – في طلب الآخرين أن يتصلوا به لعدم كفاية الرصيد في بطاقته !! ، وعاشر : الدراسة تعيقني عن التغيير وإصلاح ديني ، عندما أتوظف أكون مستقرا نفسيا فأجدد حياتي الدينية !، أو عندما أنتقل من هذه ( القرية ) التي لا تناسبني أغير حياتي وأرتب أموري ، وأصلح شأني ..
كل هذا هراء ، وأحلام عصافير ..
وما ذاك إلا محاولة حازمة من الشيطان اللعين والنفس الخبيثة لتأخير العمل ، بل إبطاله ، فإن تحديد موعد للتغير ، يعطي الشيطان فرصة لمزيد من الفساد ، ومزيد من لخبطة الأمور وعشواءيتها ، وسيجري بك خطوات وخطوات في الفترة المحددة نحو الابتعاد عن الهدف ، كما تزداد مسؤولياتك وأشغالك ، ولا تدري ما يحدث من أمور ومستجدات تحتاج إلى علاج ، حتى إذا بلغت النقطة المحددة ، وجدت نفسك وقد أثقلك العبء ، وتراكم عليك ما ينبغي لك إصلاحه أو ما تطمح إلى تغييره وتجديده ، فيكون إرجاعك عن قرارك أسهل من المرة الأولى ، ليقدم لك حلا جديدا ، ونقطة تجديد جديدة ، فعندما تتزوج مثلا ، وتتوسع رقعة مسؤوليتك ، وقد زاد ما يحتاج إلى إصلاح ، ينتقل بك الشيطان إلى نقطة أخرى ، قريبة في نظرك ، وهي : عندما تبدأ في الإنجاب ، حيث تطمئن إلى وجود نسل لك ، وتستقر نفسيتك أكثر وما إلى ذلك من إيحاءات ووسوسات ، ما قصد منها إلا إبعادك عن التغيير ، وضمان فرصة جديدة له ، فإذا جاء الولد ، فعندما آتي ببنت ، ثم عندما أستقر في بيت ضخم ، ثم عندما أتقاعد وهكذا ...
 لماذا ؟
لأن التغيير اقترن بعوامل خارجية ، وإن الاعتماد على عوامل خارجية في التغيير تدل دلالة مؤكدة ومجربة على عدم صدق النية ، وعلى ضعف العزم على تحقيقها ، حيث أننا عندما نكون مبعثرين وغير منظمين ، أو لدينا جوانب فساد - والعياذ بالله - فإن الخلل داخل نفوسنا وبين جوانحنا ، وتغيير ما نطمح إلى تغييره يجب أن ينطلق من الداخل ، ومن أعماق الباطن ، بتصحيح الفكر والعزيمة الفولاذية ، ثم البدء فورا ، فإن التسويف بريد الغدر ، والتأجيل دليل قلة العزم ..
وإن أردت التأكد والتيقن مما أقول فانظر في المعطيات الحالية المبسوطة أمامك ، فإن كنت تستلم راتبا من الدرجة الرابعة مثلا ، ولديك ولدان أو ثلاثة ، هذا يعني أنك تستطيع أن توفر لعمل الخير على الأقل خمسة ريالات أو عشرة إن لم يكن المستطاع أكثر بكثير ، وتستطيع أن توفر لحاجة زمانك ومستقبل دهرك عشرين أو خمسين أخرى ، فهل فعلت نصف ذلك ؟!! فكيف تصدق نفسك أنها عندما تمنح الدرجة الثانية ستوفر مائة أو مأتي ريال أو تنفق خمسين أو مائة ريال ؟؟!!!
فإذا كانت أمامك نعم ومعطيات وفرص ومواهب كثيرة جدا جدا معطلة ومهملة ، وغير مستغلة ، فكيف تصدق أن نفسك تعزم فعلا على استغلال ما يطرأ ويستجد ، واغتنام الفرص المستقبلية ..
وكم من أناس قبلنا قالوا سنغير عند الزواج ، أو عند الترقية أو عند الإنجاب أو عند الاستقرار في بيت ، ولكنهم تزوجوا وبنوا وأنجبوا وخلفوا ولم يفعلوا شيئا بل تراجعوا إلى الوراء خطوات أخرى عندما أعطو القياد للشيطان والنفس ، وربما أهملوا رعيتهم إضافة إلى ذلك وزيادة في تسويفهم وتأجيلهم ، وكأنهم ينتظروا أن يتزوج الولد أو يتقاعد حتى يبدأوا بتربيته وتوجيهه للخير والصلاح !!
فاحزم أمتعتك واركب قطار العزم وأدلج وهرول وثق ، ولا تنتظر ، فإن الأيام تمر والمنايا تكر ، وما من ضامن لنا العيش حتى كذا أو كذا ، ولله الأمر من قبل ومن بعد ..

محمد بن سعيد المسقري
Mq99@hotmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق