الثلاثاء، 22 مارس 2011

الابتسامة زهرة الحياة الفواحة

عنوان كل شيء منه وجهه ، وشارته التي تدل على محتواه محياه ، وقديما قالوا : يعرف الكتاب من عنوانه ..
وإن فئة في المجتمع عندما تكثر وتزداد فراخها وتتكاثر أفرادها فيها ، تحيل بدر وجه الحياة محاقا ، ونهاره ليلا ، حيث يكفهر وجه الزمان من مرورهم ، ويسود محيا الطبيعة من تنقلاتهم بين جنبيها ، إنهم يحاولون جاهدين شعروا أم لم يشعروا أن يسلبوا جمال الحورية ، ويختطفوا رائع حسنها ليزجوا به في غياهب سجون مظلمة ..
عندما يسير أحدهم بين الأشجار الجميلة والطبيعة الخلابة يعطيها منظرا آخر ويلبسها ثوبا جديدا ، باليا في جدته ، متمزقا في أول يوم يلبس فيه ، فترى الأشجار يخيل إليك أن جميعها في حالة انحسار لم يبق منها إلا أغصان وعصيات يابسة ..
إنها الفئة المكفهرة المقطبة العابسة دوما ، يرسم الواحد منهم على جبهته خطوطا وخطوطا لا تكاد تحصى عددا أو تستقصى تقاربا وتداخلا ، ترى وجهه دائما وأبدا وقد علاه العبوس ، وكأنه بقية من الليلة المنصرمة المظلمة تسير بين جنبات الطريق ، لا يعرف أحدهم للابتسامة طريقا ، ولا للبشر وطلاقة المحيا سبيلا ..
ولا نعني بطبيعة الحال من رزأته مصيبة أو حلت به كارثة ، فمرت عليه لحظات هم أو أيام حزن ، إنما نعني من يجعل العبوس والتقطيب ثوبا لا ينزاح عن جلده أبدا ، سيما إذا اقترن بعداوات داخلية مضمرة ، وحسد وغل ، وسوء ظن بالناس ، وعامة المجتمع ، والنظر إلى الناس على أنهم مجموعة من الوحوش المفترسة تكاد تنقض على ( القطعة المظلمة ) في أي لحظة ..
هؤلاء يسلبون الصبي فرحته ، واليتيم ابتسامته ، وينكدون على صاحب الفرح فرحه ، ويثقلون كاهل صاحب الهم بهموم أخرى ، ويظلمون الدنيا في عيون الناس وإن كانت مشرقة ، ويبعث منظرهم وهم فيما حباهم الله من الخير الكثير الوفير غير شاكرين ولا قانعين - الاشمئزاز ، ويزرع في النفس الهموم ، حتى لتكاد نفوس الناس تصطنع هموما ، وتختلق أحزانا لتتوافق مع الجو المحيط عند الجلوس إلى أمثال هؤلاء ..
تلك بعض جناياتهم على المجتمع ، وأما جريرتهم على نفوسهم فحدث ولا حرج ، فحرق الأعصاب ونكد الحياة وضنكها لهم قرين وصاحب ، حينما يفقدون من الناس صاحبا ، وينفر منهم القريب والبعيد ، ولا يطيق التعامل معهم من يتوقعون من مثله القرب ، ولا عجب فكيف يسير في درب مظلمة حالكة من وجد الدروب المشرقة النيرة ..
أخي الغالي :
لقد كان رسولنا الكريم – صلى الله عليه وسلم – كثير التبسم ، يعطي محياه الجميل لمن حوله راحة وطمأنينة وثقة بالله وبأنفسهم ، ويضيء وجهه المبتسم شموع الأمل المشرق الباسم ، فيرون الحياة تبتسم لهم حتى في أحلك الظروف ..
فلتكن الابتسامة شعارنا ، مع الصغير والكبير والغني والفقير ، وصاحب الجاه والمغمور ، والقريب والبعيد ، ومن نعرف ومن لا نعرف ..
فالابتسامة في وجه اليتيم البائس ترسم في حياته خطوط أمل ، وتنسج في موقع نظره للمستقبل خيوط تفاؤل ..
والابتسامة في وجه الصبي الصغير ، تجعله يفهم معنى الحياة السعيدة ، فلا يلعن الأيام التي تسير به سيرا حثيثا نحو الشباب والتي تقربه من العبوس والتقطيب الذي يراه في وجود تلك الفئة سالفة الذكر ..
والابتسامة في وجه الشاب الذي أرهقه العمل ، وهو يجالد صعوبات الحياة ، تعطيه شحنات من التفاؤل وتهبه طاقات جديدة ، وقوى فريدة تعينه على مواصلة المشوار بجد ومثابرة ..
وابتسامة الزوجة في وجه زوجها وهو عائد من عمله بعد يوم مرهق ، تنسيه ما أرهقه ، وتمسح عنه هموم ما أتعبه ..
وابتسامة الوالد لطفله ترفع عن الصبي الصغير كثيرا من معاني الخوف ، وتكون بمثابة شحنة حنان رائعة تغذي عروق الثقة والطمأنينة والأمان ، وتعطي للجو الأسري وجها مشرقا رائعا ..
وابتسامتنا في وجه الشيخ الهرم ، تعيد لأيامه نظارتها ، وتقطر في عينيه المتشائمتين قطرات عذبة من التفاؤل والأمل ..
وابتسامتنا تغيض الحاسدين ، وتشعل فيهم نار حسدهم فليهنأوا بها ، وفي وجوه الحاقدين امتصاص لحقدهم ..
إنها تمسح دمعات اليتيم ، وتسعد قلب الفقير ، وتزيح هم المهموم ، وتركل حزن المحزون ، وتقرب بين الغني والفقير ، والصغير والكبير وصاحب السلطان والمغمور ، والشريف و( الوضيع ) ..
إنها رسول محبة وعربون سلام ، عندما ترفع رايتها بين أفراد المجتمع بإخلاص ، تكاد يسطع نور رايتها على نيران الأحقاد والضغائن ..
فابتسم أخي الكريم ففي الابتسامة أسرار ومعان رائعة ، أقل ما فيها أن تجعلك مألوفا محبوبا مرغوبا في الناس ، يميل إليك الجميع ، غيابك يؤجج الشوق ، وحضورك يشرح النفس ويمتع الشوق ..
وابتسامتك للصديق والقريب فرحة ، وللحاسد نارا زاده الله نارا ، وللحاقد امتصاص لحقده ، وللمبغض تألف وتقريب ...
فلنمح خطوط الظلمة التي يرسمها أولئك العابسين على وجه الحياة ، ولنمسح الدمعات الحزينة من عينيها الجميلتين ..
بالابتسامة وبها فقط فهي زهرة حياتنا الفواحة ..

محمد بن سعيد المسقري
Mq99@hotmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق