الثلاثاء، 22 مارس 2011

أنظر إلى الجميل دائما

يحكى أن نبي الله عيسى – عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم التسليم – مر هو والحواريين على كلب ميت قد أنتن ريحه ، فغطى الحواريون أنوفهم متأففين من رائحته قائلين : ما أنتن ريحه ، فقال النبي الحكيم – عليه السلام - : ما أبيض أسنانه ..
لقد ركب الله سبحانه وتعالى الحياة على التغير والتبدل والتباين والاختلاف ، والتمايز والتفاضل ، والخير والشر ، وكان ذلك طبعا وصفة لهذه الدنيا المليئة بعالم المتناقضات ، فحوى كل شيء الجميل والقبيح والنافع والضار والخير والشر ، وكل خلق الله حسن ، وفي كل ما يدبر ربنا الخير ..
وإن الزاوية التي ننظر بها إلى الأمور هي التي تحدد ما تكون عليه تلك الأمور ، وما نجنيه منها ، وكثيرا ما تكون نظرتنا هي مستفادنا وحصادنا ..
فعندما ننظر إلى الليل على أنه ظلمة وخوف ورهبة ووحشة ، يكون فعلا مصدر وحشة وقلق ومخاوف لا تحصى ، وقد يتولد عن هذه النظرة أمور لم نأخذها في الحسبان ونحن نرسل نظرتنا المتشاءمة على الثوب الأسود الذي يملأ ما حولنا ..
ولكن عندما ننظر إلى الليل نفسه على أنه مصدر هدوء وسكينة وطمأنينة وراحة أعصاب من لغب الحياة وتعبها ، ووقت جميل للتأمل والتدبر والتفكر والإبداع ، والتخطيط الجاد المثمر ، والمحاسبة المتفحصة للنفس ، نجد أن الليل نفسه قد تحول إلى شيء رائع نود ألا يفارقنا ولا نفارقه ، ونتمنى أن نبقى في أحضانه فترة أطول ..
وإن شابا يرى أن الزواج ما هو إلا محضن مشاكل وهموم ومتاعب ومسؤوليات جسام ينأى بحملها أولو القوة ، ما ينتظر أن يحصل من زواجه إلا على ما وطن نفسه عليه ، وما سيجني إلا ثمرة النظرة السوداء ..
وكذا المعلم الذي ينظر إلى مهنة التدريس على أنها تعب في تعب ونصب في وصب ، وأن طلاب الزمان ليسوا من طلب العلم في شيء ، وأنه لا يوجد من يريد أن يتعلم في زماننا ، سيجد ما توقع ، وسيعايش وظيفته نصبا وتعبا ..
ولو نظر نظرة تفاؤل وأن الخير موجود ، والتعب مقترن بكل عمل ، لمزج تعب الوظيفة بما يحاول إصلاحه من الطلاب الذين لا يخلو منهم فصل ، ولسعد بهدايتهم وتوجيههم ، فكانوا نعم المواسي ..
فيمكن للإنسان أن ينظر إلى السفر على أنه مشقة وجهد جهيد ، ويمكن أن يكون مصدر متعة وسياحة وراحة واستجمام ، وإلى البحر على أنه مخيف ويبعث الرعب في النفس ، أو مصدر طمأنينة ومورد جميل للتأمل ، وإلى الجبل على أنه رمز الكبر والعتو والخشونة والقسوة ، أو رمز الثقة والصمود والمجاهدة ، وإلى القط على أنه نجس قذر ، أو حيوان أليف وديع مألوف ..
وكذا في سائر الأمور ، نجد فيها صفات طيبة ، وصفات قد لا نحمدها ، وتتوقف الثمرة التي يقطفها كل واحد من هذه الأشياء وأضرابها على نظرته الصافية أو السوداء المعتمة ..
 وهذا ينسحب بلا شك على البشر من حولنا ..
قال أبو العتاهية في أرجوزته الشهيرة :
لكل إنسان طبيعتان .... خير وشر وهما ضدان
فمن حولنا من الأصدقاء والأقارب والزملاء والجيران والأهل ، والأولاد والزوجات والإخوة والأخوات ، كل فرد من هؤلاء يحمل صفات خيرية ، وصفات أخرى سيئة ، ولو عددنا فيه صفات الخير ، ومناقب الطيبة والأخلاق الحسنة ، بدقة وعدل ، لربما وجدناها تفوق سيئاته بأضعاف مضاعفة ..
ولكن ما الذي يجعلنا نعتبر كثيرا منهم سيئون وشريرون ، ولا يحبون إلا أنفسهم وذواتهم ؟!!
إنه تضخيم الصفة السيئة ، وتضخيم الأخطاء والتصرفات الخاطئة ، تجعل النفس الميالة إلى الانتقاد ، وتصيد العثرات والهفوات تعمى أو تتعامى عن جوانب كثيرة جدا من الخير موجودة واضحة في ذلك الشخص ..
فصديق كريم متى ما ألمت بك فاقة وجدته نعم المعين ، خدوم متى ما احتجت إلى مساعدة وجدته يهرول لمساعدتك ، هو للأسرار حافظ ، وللأمانات راع ، وفي النصيحة مخلص ، وفي الأمل والألم أول من يقف بجانبك ، غير أنه يتأخر في مواعيده دائما ..
مثل هذا الصديق يمكننا أن نعتبره إنسانا سيئا ، ونقول هذا منافق يخلف المواعيد ، وهذا غادر لا يفي بما يعد ، وهذا خائن ليس أهلا للوثوق به ، وهذا متهرب ليس أهلا لتحمل المسؤولية .
وفي الوقت ذاته يمكننا أن نتقبل الصفة عندما نقارنها بمئات الحسنات والصفات الخيرة في علاقته وصداقته ، ونحاول أن نعالج خطأه بالحكمة والموعظة الحسنة ..
فانظر إلى الجميل من الشيء دائما تنشرح نفسك له ، وترتاح ، وتكون في وفاق معه وسلام ، ويمنحك كثيرا من فؤائده وصفاته الخيرة ، وتكتسب من نظرتك الطيبة إليه ثمارا طيبة ..
ولا تنظر إلى القبيح فتكون مع كل من وما حولك في خصام وعداء ، تعيش في توجس وعدم استقرار ، ولا تجني إلا ما حصدته النظرة الخاطئة ..

محمد بن سعيد المسقري
Mq99@hotmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق