الثلاثاء، 22 مارس 2011

التأمل شريان الصفاء

إن لغب الحياة ، وأشغالها ومتاعبها ، وازدحام الأعمال وتراكمها ، وكثرة متطلبات المعيشة ، وما يمليه التقدم والتطور ، وملاحقة الحضارة ، ومسابقة المدنية ، وكثرة التواصل والعلاقات ، ووفرة وسائل الاتصالات والمواصلات ، وتعدد وسائل الإعلام ، وتنوعها إلى مسموعة ومرئية ومقروءة ، كل ذلك يجعل النفس تشعر وكأن عليها ركاما مما يجب أن تقوم به ، فلا تكاد تفرغ حتى تشتغل ، ولا تكاد ترتاح للحظات حتى تتعب ساعات ، فكل هذا الزخم الهائل يملأ القلب ، وما القلب إلا وعاء إن ملأ بشيء لم يعد لآخر مكان فيه ..
تلك سنة الحياة الحضارية ، وطبيعة العيشة المدنية ، ولا عجب ولا غرابة ..
ولكن من الغبن الفاحش للنفس المسكينة أن يرمى عليها كل هذه الكثبان من ملل الحضارة ، ونصبها ، ثم لا تجد متنفسا ترتاح فيه ، ويبعث فيها بواعث الأمل ، ونسائم الراحة والاستقرار ، وكأن المسكينة على متن سفينة بين أمواج متلاطمة لا يقر لها قرار ...
وبذلك تفقد النفس استقرارها ، وتحس أنها جانبت الراحة ، وقد تكون الدرب التي سلكتها ليس بها فساد أو أخطاء كبيرة ، غير أن الازدحام والتراكم ، يضفي على الجو شيئا من الكدرة والعتمة وعدم الصفاء ..
ولإزاحة هذه الظلمة لا بد من فترات استجمام وراحة للنفس ، قال – صلى الله عليه وسلم - : " روحوا القلوب ساعة فساعة فإن القلوب إذا كلت عميت " ..
وراحة النفس ليس بمعصية الله كما يعتقد بعض الشباب ، فيقتل نفسه قتلا وهو يريد راحتها واستقرارها ..
إنما الاستجمام في الخروج في أرجاء المعمورة ، والتأمل في مخلوقات الله تعالى ، وما أبدعه الله سبحانه في الكون الفسيح ، والنظر في الصفحات الخلابة من المناظر الطبيعية ..
كل ذلك يورث النفس صفاء ونقاء ، ينسيها همومها وأحزانها وأتعابها ، بشرط أن نجعل الهموم تحت أقدامنا قبل أن نبدأ رحلة التأمل ، وإلا لكان الفراغ للتأمل هما جديدا ، وآلة توليد لهموم وهموم ، ولتذكرنا ما لم نتذكره في زحمة الأعمال ..
فكم أبدع المبدعون ، وكم كتب الكاتبون ، خواطر ووجدانيات ، وأفكار غاية في الروعة ، بعد وأثناء فترات استجمامهم وراحتهم ، حيث يستلهمون من الطبيعة الخلابة الصفاء والمحضية والنقاء ، بعيدا عن عداوات البشر وتحاسدهم ، وتقاتلهم حول الموائد ، ومن أجل شيء ولا شيء ..
وكم من اناس ظنوا أن العشوائية والازدحام صار ميزة وطبعا في حياتهم لا ينفك عنها بحال من الأحوال ، فلما جعلوا لأنفسهم فترات تأمل ، وعقدوا عقد صداقة مع الطبيعة ، يقتضي ترتيب بعض مواعيد الزيارات الأسبوعية أو اليومية ، ولو للحظات خاطفة ، تغيرت أحوالهم كثيرا ، وصاروا يستقبلون أيام ما بعد الزيارة ، وفي قلوبهم من الصفاء ما لم يعهدوه من قبل ...
سيما عندما يكون التأمل مقرونا بالتفكر في خلق الله ، وترسيخ الإيمان به سبحانه وتعالى ..
فنتأمل في ما حولنا ، ننسى همومنا ، ونجدد حياتنا دوما ..
محمد بن سعيد المسقري

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق