الاثنين، 30 أبريل 2012

مشاويرنا .. إلى أين ؟؟

نعمة كبرى أظلتنا ، بعد أن كنا نخطو بأرجلنا ، أو نركب الدواب لقطع مسافات طوال ، إنها السيارة ، تنقلنا في أرجاء المعمورة ، وتصل البعيد بالقريب فسبحان الله ..
وليتنا نشعر بعظم النعمة حقا ، ونعي حقها ، وما حقها غير شكرها ، وما شكرها إلا بحسن استعمالها ..
وإن تسل عن حسن استعمالها ، فإليك  جواب ما سألت ..
أولا : قضاء حوائج الأسرة ومن نعول ، بإيصالهم عبرها إلى حيث يريدون ، وجلب الأغراض وما يحتاجون ..
ثانيا : زيارة بر وصلة للوالدين والأرحام والأقارب ،  وزيارة أخوة وصداقة لأخ في الله وصديق وحبيب ، ومشاركة في فرح ومواساة في ترح ، وتقديم عون في مصيبة أجار الله الجميع ..
ثالثا : زيارة شيخ لاستفادة علم ، أو مؤسسة لقضاء حاجة وتخليص معاملة .
رابعا : إعانة المحتاج ، ونقل المعسرين وغير القادرين ، ونقل ما يحتاجون نقله منهم وإليهم .
خامسا : التنقلات الدعوية ، وزيارات النصح والإرشاد ، والحث على الخير وسبيل الرشد ..
وغير ذلك مما خلق الله المركوب له ..
فهل نحن في ذلك ، وهل نحرك سيارتنا دوما أو غالبا في مثل ذلك ..
عند بعضنا نعم فأنعم بهم ، وحي على دربهم ونهجهم ..
وأما ما وراء ذلك فليس بحالات قليلة ، ولا ( مشاوير ) قصيرة ..
يدير الشاب محرك سيارته وينطلق بها صبح مساء ، وعصرا وعشاء ..
إلى أين ؟! حاجة .. زيارة ، دعوة ، نصيحة ، مصلحة دينية ودنيوية ..
كلا وحاشا ..
إنما إلى غير وجهة أصلا ، أو لوجهة هي غير رشيدة ..
يدور في شوارع الحارة والقرية والولاية مرات ومرات ، أحيانا بمفرده ، وأحيانا مع ثلة من رفاقه ، يخفض سرعتها ويزيدها ، يمشي مستويا بسيارته تارة ، ويدور بها دورات سريعة تارات أخر إ!!
إنه الملل والفراغ ورفيق السوء ، والكآبة ، والضيق ، والبحث عن متعة ..
وليت الأمر يقف عند حد المباح ، والدوران غير المبرر والمسؤول ..
بل ثمة أمور وأمور ..
·  التملي في وجوه المارة والغادية والرائحة ، وتحريك العيون هنا وهناك للتأمل في حسن بنات الناس وأخواتهم وزوجاتهم ، ومن تقع فريسة تلك العيون الضامئة ..
·       المغازلات والمعاكسات والغمز واللمز ، ومحاولة الاصطياد في المياه العكرة ..
·  المفاخرة والمباهاة ، وإظهار الغرور ، وإظهار عقد النقص على صورة كمال ، وما هي بكمال ، إنما كمل اللؤم ، واستوثق حبل الشيطان ، وأعطي اللجام نزوات النفس ، فصار النقص كمالا ، والعثرة حمدا وفخرا ..
·       إيذاء الناس بأصوات الأبواق ، والأصوات التي تخرج من أنبوب العادم ، و( التفحيط )
·        إيذاء خلق الله  بالمرور المتكرر في حاراتهم دونما أدنى غرض ..
وما يتبع ذلك من :
·       ضياع للأخلاق ، ووأد للقيم ، وهتك للستائر ..
·  هدر لأموال طائلة رهيبة ، لا يدري بها الشاب المسكين ، فهي لا تتعدى المائة ريال شهريا تدفع لبترول السيارة وما وراءه ، أي مليون ريال فقط لعشرة آلاف شخص !!
وعلى ذكر الاستنزاف الاقتصادي فما أكثر التذمر من غرامات المخالفات ، وتجديد السيارات والرخص وما شابه ، على أن الشاب ما درى أنه يحلب ضرعه حلبا بصورة يومية ، بما يزيد على أضعاف ذلك ، حين يهدر ماله في ذهاب وإياب لا حاجة له فيه ، بل ربما لا يحتاج لعشره ولا نصف عشره ..
·  كثرة الحوادث والمصائب التي جاءت من فراغ ، ولم تأت من فراغ في نفس الوقت ، ففراغ الشاب غير فراغ الدهر والنوائب ..
·  التشجيع المستمر ، وبصورة علنية ، وبطريق القدوة الرهيب على البطالة والفراغ ، والعيش في دائرة ( اللاشي ) ، وضياع الأهداف والآمال ، وكثرة أولاد التسكع ..
إنها مأساة تحتاج إلى وقفة بل وقفات ..
·  لا بد أن نرشد استهلاك سياراتنا ، ونجعلها في الخير ، فإن السيارة يصدق عليها ما قاله النبي – صلى الله عليه وسلم – في الخيل : " الخيل لرجل أجر ولرجل ستر وعلى رجل وزر " ، وذلك حسب النية التي ربطت لأجلها الخيل ، وحسب استخدمها حرمة وحلا وإباحة واستحبابا وكراهة ، وكذا السيارة ، لنا فيها الأجر ما استخدمناها في مشوار خير وصلاح وحاجة لأهل وصديق ، وما فيه خير المجتمع والأمة ، ولنا فيها وزر ما استخدمناها في معصية ومفاخرة ومباهاة وإيذاء ، فالعبرة بالنية ، والله عليم بما تحويه السرائر .
·  إن كل دورة لعجلة السيارة نحن مسؤولون عنها كما نسأل عن خطواتنا ، والأمر والله أهول وأخطر ، لسهولة الأمر وتيسر الحال وبسط النعمة ، وما بما يفعله بعض الشباب تقابل النعم ولا كذا شكرها ..
·  إن إنفاق الأموال في التفاهات ، والمشاوير التافهة والمائعة إنما هو إسراف وتبذير لا يرضاه الشرع الحنيف ، فكل ريال ننفقه في ذلك علينا ، وكل ريال ننفقه في الخير والصلاح هو لنا ، وفي رصيد حسناتنا ، ولا فرق بين ريال أشتري به وقودا لسيارتي أو أدفعه ثمنا لسلعة أو أعطيه شخص ، فالكل إنفاق ..
فلنتأمل ولنتدبر في ذهابنا وإيابنا ، ولا نسر حيث سار الناس ، لا ندري في أي وجهة نحن متجهون ، لا هدف ولا غاية ، لا نية حسنة ، ولا طوية سليمة ..
إننا مسؤولون عن أوقاتنا فيم نقضيها ، وأموالنا فيم ننفقها ، وسيارتنا إلى أين نتجه بها ..
فكن عاقلا ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق