الاثنين، 30 أبريل 2012

الهاتف النقال .. لماذا؟؟

ليسمح لي القارئ الكريم أن أنقل له في هذه الحلقة بثا حيا من بعض المراكز والمجمعات التجارية ، وإطلالة سريعة على بعض الحدائق العامة ..
صدق السيد القدوة – صلى الله عليه وسلم – حين قال : " إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى " ..
زيد يدخل المركز أو المجمع الفلاني ، وعمرو يدخله ، وسلمى كذلك ، وتدخله فاطمة أيضا ..
قد لا يحمل الجميع في جيوبهم شيئا ، ولكن حتما يحملون في قلوبهم أمرا ، تلك الحقيبة العجيبة ، ربما وضع فيها شيء من ( التسوق أو التنزه ) ، وربما ألقي فيها بضاعات أخرى ، فاندفعت هي والجسد بدوافع أخرى ..
فليس كل من دخل مسجدا مصليا ، وليس كل من دخل مركزا متسوقا ، هي من تحدد ، والعبرة بها ، وقد تترجم إلى عمل يراه الآخرون وقد لا ..
اجلس في إحدى صالات المركز أو المجمع ، صالة الطعام مثلا ، وخذ كرسيا في زاوية ، لترى  تجمعا رهيبا من الشباب والشابات ، ووفودا كثيرة تفد قد تجد وقد لا تجد متسعا ..
وهنا تسأل نفسك : ما الذي يجمع كل هؤلاء ..
إليك الجواب : شغل خدمة ( البلوتوث ) في نقالك ..
ودع الشاشة تسطر لك عشرات من الأسماء المستعارة الغريبة والعجيبة :
فارس الحب ، بطل الأحلام ، أميرة القرية ، رجل الجنس ! النزيف ، ألم الفراق ، عاشق الجمال ، بنت الهوى ، فتاة الشرق ، .... ، ....
وإن كنت تريد الصورة مكتملة ، فسم نفسك اسما أنثويا جذابا ، وليكن : ...
قد تطيق ذاكرة هاتفك وقد تستغيث بربها الذي أنعم على من حولك بهذه النعم العظيمة من الرسائل المتلاحقة كالسيل الجارف ..
إنني لا أعني ما أقول ، ولا أدعو إلى المشاركة في مثل هذا ، واستقبال رسائل لا أراك الله قبح وجهها المكفهر ..
ولكن ما في تلك القذائف يا ترى ؟ وعلام اجتمع هذا الجمع الغفير ؟ ولم يعمدون فورا إلى تشغيل ( البلوتوث ) ، أسئلة تجد إجابتها عند الشباب ..
التعارف والتقارب بين الشباب والفتيات ، والحصول على رقم شريك ، وتألف قلب محب أو محبة ، بإرسال نكتة وكلمات حب ( صادقة ) ، ومقاطع صوتيات ومشاهد ( رائعة ) ، ونغمات ( رقيقة ) ، وتحيات رومنسية ( عبقة ) ، وعقد اتفاقيات ومواعيد للاتصالات واللقاءات ، وما أدراك ما بعد ذلك ..
يقولون : البحث عن صيد جميل ، البحث عن الحب ، البحث عن رفيقة العمر ، التسلية والمتعة ..
بل هو البحث عن السعادة التي فقدت فلم يعد لها أثر ، وبحث عن الذات يوم أن تلاشت ، وبحث عن الاستقرار والطمأنينة بعد أن بددتها المعاصي ، وبحث عن الأمن بعد أن حدنا عن درب من لهم الأمن وهم مهتدون ..
إنني لا أستنكر دخول المجمعات أو صالاتهن والتسوق والتنزه ، فلست هناك ، وما حرم الله البيع ، ولا حرم الطيبات ..
ولكن ما يستهجن ويستنكر في الأمر أن كثيرا من الشباب أصبح لديهم من السعار الجنسي ، والجوع العاطفي – إن صح التعبير – ما يجعلهم يعيشون أشبه بسكارى لا يدركون ما يفعلون ، ولا يدرون في أي وجهة هم متجهون ..
المهم أن يفعل ما يفعل الشباب ، ويردد : ( عش حياتك وطنش تعش ) ..
نعم عش حياتك ، ولكن ليس في العبث بأعراض الناس ، وتضييع الجهود والأوقات والأموال فيما لا طائل من وراءه إطلاقا ..
عش حياتك في ظل قوله تعالى : " قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم " ، لتربح نفحات من قوله تعالى : " الله نور السموات والأرض " ، ونسائم من : " أولئك لهم الأمن وهم مهتدون " ..
عش حياتك بعيدا عن السعار الجنسي والعاطفي الذي يجعلك تعيشها عيشة من يشرب ماء البحر ، كلما شرب ازداد عطشا ، ودع عنك ما لا تصبر على بعضه ولا تقدر على كله ، فلن تملك جميلات العالم ، ولن تحظى بحسناوات الدنيا ، إنما تظل متخبطا مترنحا ، شهوة ترفسك وأخرى تدوسك ، لتعيش أشبه بالحقير حاشاك وأجارك ربي ..
إن عاشقة الحرية قد لا تملك شيئا من حرية ، وإن بطل الحب ربما كان ذئبا لئيما  لم يعرف الحب يوما ، وفارس الأمل قد لا يستطيع امتطاء إلا آمال الشهوة الحاضرة ، ولا يهمه ما بعد ذلك مما جاوز قدميه ، فما تلك الأسماء إلا أوهاما وتضليلات ، فكم حمل الحمار لقب أسد وهو لا يعرف الزئير ، وكم رأينا من فرسان لا يستطيعون امتطاء حمار ..
لنفق من سباتنا ، فقد ضحكنا على بعضنا كثيرا ، وخدعنا أنفسنا طويلا ، فما وجدنا حبا ولا سعادة ، بل ولا حتى متعة إلا ما مر كلمحة برق ، وانقضى كما انقضت أمس ..
كم من الفتيات اللاتي كن ينشدن الحب والحنان في هذه الوسائل المهترئة البالية في جدتها ، فما وجدن إلا ذئابا ظهرت أنيابها في الأشهر الأولى من الرضاعة ، واقترب وقت الفطام وما أفطم هو ، ولكن الفضيلة فطمتهما ، والسعادة فارقتهما ، بعد أن باع الباحثة عن الحب ليبحث عن شويهة أخرى تبحث عن الأمل ، فما أكبر الكلمات ، وما أضعف معانيها الهزيلة ..
أيها المحب وأيتها العاشقة ..
إن ديننا الحنيف حين أمرنا بأوامر قد نراها حواجز وقيودا إنما هي من صميم مصلحتنا ، ومن رحمها تولد السعادة والراحة ، ولا أدل على ذلك من واقع يعيشه الباحثون عن ذاتهم ، الفاقدون لراحتهم ، فنظرة خاطفة فيمن حولك ، تحكي لك الكثير ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق