الجمعة، 27 أبريل 2012

تلفيق التهم وترويج الشائعات

كثيرا ما نسمع شائعات تترامى هنا وهناك ، تنتشر في أوساطنا ، انتشار النار في الهشيم ، يتهم فيها شخص بتهمة قد يكون بريئا منها براءة الذئب من دم يوسف ، فيكون حديث الساعة ، تلوكه الألسن في كافة أرجاء المجتمع ، وينظر إليه نظرات مريبة ، وتدور حوله الاتهامات والشبهات ، والظنون السيئة ، وتقدم له الإهانات تعريضا وتصريحا ، وقد يجرجر به في المحاكم ومراكز الشرطة ، ، وقد يزج به في السجون والمعتقلات ، أو يوجه غليه سيل من الاستجوابات والتحقيقات ، فيعيش الشخص في حالة نفسية يرثى لها ، ويتعدى أثر هذه الشائعة إلى أهل المتهم ، وأصحابه ، وجميع من له صلة به ، فيصبح بنيان المجتمع هشا قابلا للسقوط في أي لحظة .
والعجب كل العجب أن يشارك بعض مممن ينسبون إلى الثقافة وسعة الاطلاع ، في ترويج الشائعات الشائنة في المجتمع ، ويجارون الناس في افتراءاتهم ، ويسهل عليهم قبول كل خبر يرد عليهم ، ضاربين بالتعاليم الدينية عرض الحائط ،  ناسين أو قل متناسين أن كافة التشريعات الإسلامية تحث على صدق الأخوة ، والتعاون والتكافل والترابط ، والتراحم ، وحسن الظن بالناس ، وإصلاح ذات البين ، وستر وصيانة المجتمع ، والحرص على كل ما يحقق تماسكه ، ولو استعرضنا النصوص التي تحث على ذلك كله لطال بنا المقام ، ولكن حسبنا أية قرآنية جامعة لدستور ينير طريق التكافل الاجتماعي ، ألا وهي قوله تعالى : " وإنما المؤمنون اخوة " .
أسباب ودوافع اختلاق وتلفيق التهم
تبدأ الشائعة عادة ، تلفيق أحدهم تهمة لشخص ، مستغلا قصة أو حادثة ، ينسج حولها التهمة ، ويستجلب جميع ما يمكنه جمعه من قرائن وأدلة على حد زعمه - ، ويدفعه إلى ذلك عدة دوافع من أهمها :
(1)    فراغ زوحي يعيشه هذا الشخص ، فالإنسان الفارغ روحيا وفكريا ، يتطلع دائما إلى ملء هذا الفراغ ، وإكمال عقدة النقص التي يحس بها ، بإثارة المجتمع حول موضوع ما ، ليستلذ سؤال الناس وتتبعهم ، ويتابع مستجدات الموضوع ، وما وصلت إليه آخر الأخبار .
(2)    عداوة سابقة بينه وبين الشخص المتهم ، حيث يدفعه حب التشفي والانتقام إلى اتهامه بجرائم مختلقة ، حينما لا يجد أمامه حقائق واقعية يمكن أن يلبس بها الشخص .
(3)    ضعف الوازع الديني ، والجهل بخطورة تلفيق هذه التهمة ، والآثار المترتبة عليه ، وسوء عاقبته في الدنيا والآخرة .
كيف تنتشر الشائعة ؟
بعد اختلاق الشائعة من قبل هذا الشخص ، يبدأ في محاولة نشر هذه التهمة ، وإشاعتها في الأوساط الاجتماعية ، وتكبر القضية شيئا فشيئا ، حيث يزيد الثاني قليلا على قول الأول ، ويفتري الثالث فرية أكبر من فريتهما ، وينسج الرابع خيطا أوهن من خيوط سابقيه ، وهكذا ،  فإن صادفت القصة المنسوجة فراغا روحيا وسذاجة فكرية عند جمهرة المستمعين  ، وتطلعا من قبل الذين يتلهفون لسماع أي خبر جديد ، ليطيروا به في الآفاق ، انتشرت في كافة أرجاء المجتمع انتشار النار في الهشيم .
هذا وإن من أعظم التهم جرما ، وأشدها خطرا على تماسك المجتمع ، والتي يحرم شرعا تلفيقها على الأشخاص ، ورمي الناس بها دون التثبت بالأدلة التي حددها الشرع ، والتي نص عليها الكتاب والسنة ، تلك التي تتعلق بعرض الإنسان ، كاتهام الشخص بجريمة الزنا أو اللواط ، فالعرض من المقاصد الخمسة التي أتى الشرع الحنيف بحفظها ، وشرع لها من القوانين والتشريعات ما هو كفيل بصيانتها ، وعرض الإنسان محرم مصون ، لا يحل التعدي عليه ، إلا بحق شرعي ثابت ، لقوله صلى الله عليه وسلم - : " كل المسلم على المسلم حرام ، دمه وماله وعرضه " .
إن قضايا الزنا لا تثبت شرعا إلا بشهادة أربع شهود عدول ، يرون الجريمة بأم أعينهم ، ويصفونها عند الشهادة ، وصفا دقيقا ، بحيث يتفق جميعهم في الصفة والزمان والمكان ، فإن اختل أحد هذه الأمور عند أحدهم ، حد الثلاثة حد القذف الذي حدده الشارع الحكيم بثماني جلدة ، فلا تثبت مثل هذه الجريمة ، باتهام شخص ، ولو كان من ألقى عليه التهمة إمام المسلمين نفسه ، ولا بادعاء امرأة أن فلانا زنى بها ، فربما تدعي ذلك لعداوة بينها وبينه ، أو لتنفي التهمة عن صاحبها الذي قاسمته كأس الفحشاء ، فترم به بريئا .
فالمختلق للقصة ، وكل من صدقه ، واعتمد قوله ، وعمل على نشر هذه التهمة على أنها أمر واقع ، يكون مرتكبا لكبيرة من كبائر الذنوب ، بل موبقة من الموبقات السبع ، لقوله صلى الله عليه وسلم - : " اجتنبوا السبع الموبقات ، إلى أن قال : "  وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات " ، ويطالب بالبينة وهي كما وصفنا ، فإن لم يأت بها ، يحد حد القذف ، وهو ثماني جلدة ، ولا تقبل له شهادة بعد ذلك أبدا ، ويعد من الكاذبين ، لقوله تعالى : " فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون " .
والذين يصدقون مثل هذه الأخبار بسهولة ، ويجرونها على ألسنتهم بكل سلاسة وانشراح ، يخاف عليهم استغلال الأعداء سذاجتهم ، في ترويج مخططاتهم ، وخدمة مصالحهم من حيث لا يشعرون .
ولو فكر هذا المختلق للتهمة ، ومروجها ، ونظروا إلى الأمر بشيء من التفحص وبعد النظر ، وتفكروا في الحالة التي سيؤول إليها هذا الشخص، والعذاب النفسي الذي يعيشه هذا المتهم الذي سينظر إليه المجتمع نظرة ازدراء واحتقار ، ويعامله الجميع على أنه الزاني المجرم ، أو على أنه المقترف لجريمة اللواط وتتلقفه النظرات المربية من جميع الجهات ، وتحوم حوله الشبهات ، حتى يتمنى أنه مات قبل هذا وصار نسيا منسيا ، لما أقدموا على مثل هذه الفعلة الشنعاء ولتحرزوا في هذا الأمر ، وحسبهم أن يضعوا أنفسهم مكان هذا الشخص ، ليتبين لهم فظاعة الموقف ، وخطوة المأساة .
كيف نستقبل خبرا أو شائعة في شخص ما  ؟
عندما يرد علينا خبر ما متهما شخصا في عرضه ، فإن علينا أن نحسن الظن أولا ، لأن الأصل في المسلم الأمانة ما لم يثبت غيرها ، كما قال تعالى : " يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم " ، بل علينا أن ندافع عن عرض أخينا ، وسمعته ،ونقف في وجه من يحاول الطعن أو التشكيك فيه ، ثم نتحرى القضية كما أمرنا الله تعالى في قوله : " يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين " ، فلا بد من التثبت من الأخبار ، بتتبع القصة من أولها ، والوصول إلى من نسج حولها التهمة ، ومناقشته في الأمر ، والنظر في الأدلة والقرائن التي اعمد عليه ، والجلوس أيضا مع المتهم ، ومعرفة جميع دقائق القضية ، وتفاصيلها ، وملابساتها ، حتى لا نحكم عليه جزافا، وذلك من أجل المدافعة عنه ، والوقوف في وجه مروجي الشائعة ،أما الأمور العرضية واتهامات الزنا واللواط ، فإن تقرير المتهم ، وإثبات القضية راجع إلى السلطات القضائية ، ومن حق المتهم فيها أن يرفع قضية ضد قاذفه ، ويشهد عليه شاهدي عدل ليطبق عليه حد القذف ، ليكون ذلك رادعا له ولأمثاله ، والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق