الأحد، 29 أبريل 2012

ولدت شيخا !!

طالما اكتحلت عيناك برؤية طلاب علم وحملة هدى ، ذوي أخلاق رفيعة ، وقيم نبيلة ، قد زينوا المجالس بعلمهم ، وعطروها بطيب خلقهم ، وحسن تواضعهم ، يألفون ويؤلفون ، وتنجذب النفوس إليهم ، والأفئدة لطيب تعاملهم ، ولين طبعهم ، نفعوا البلاد والعباد ، وكانوا كالغيث أينما حل نفع …
ولعل عينيك لمحتا – ولا إخال أن ذلك يخفى – بعض الأجسام الغريبة ، التي نهلت من منهل أولئك ، وارتشفت من ذات المعين الذي ارتشفوا منه ، وربما استقى البعض وابلا من مطر المعرفة ، غير أن ذلك السيل صادف أرضا ملساء مجدبة ، قلما تمسك ماء ، أو تنبت عشبا ، يتعالون على غيرهم ، ويدعون ما ليس لهم ، ولا عندهم ، ويرون لأنفسهم ميزة على غيرهم ، نالوها عن جدارة واستحقاق من ذا يطاولها …
وإخال نفسك حينها حدثتك قائلة :
عهدنا بالعلم يدعو إلى التواضع ، ويزيد من خشية العبد لربه ، ويرفع قدر حامله دون ترفع ، ويعلي مكانته دون تصنع ، فالتواضع سجية ركبت في جسم العلم ، وامتزجت بلحمه ودمه لا تنفك عنه إلا من علة ..
فما بال هؤلاء لا يزيدهم علمهم إلا ترفعا ، وفهمهم إلا تعاليا ؟؟!!!
أعيب في الورد أم في الوارد ؟؟!!!
أم أنهم في منزلة تجاوزا فيها ما يسمى بالتواضع ، فلم يعد يناسب الحال ، ويكافئ عظيم المقام ؟؟!!!
أخي الغالي
لقد رأينا ما رأيت وعجبنا مما عجبت ، فأضحكنا – وشر البلية ما يضحك – حال سرج خافتة ، تحسب نفسها بدور الدجى ، ومصابيح الظلام ، وأبكانا ضياع العلم في عقول عشش حب الرئاسة وعشق الريادة في مراكزها ، فأنساها قدرها ، وأوهمها فخامتها .
أوهمتهم أنفسم أنهم ولدوا مشائخا ، يوم ولد الناس أطفالا !!!
 فقد يكون أحدهم درس على يد بعض أهل العلم ، وحفظ بعض متون العلم ، أو قلب بعض مجلداته ، وحشا فكره ببعض المسائل والمعلومات الدينية التي لم يحسن التعامل معها ، ولم يوقرها حقها .
يدعون علو الهمة في طلب العلم ، فتفضحهم سهراتهم الطويلة في الأحاديث الجانبية ، التي لم تصلح للتعليق على شماعة مناقشة قضايا الأمة ، وأحوال المسلمين ، ومذاكرة مسائل العلم !!!
يلبسون ثوب الزهد والتقشف ، معلنين رفضهم للمتاع الزائل ، وإقبالهم المضني للآخرة ، فيكذبهم سعيهم الدؤوب للرئاسة ، وغرقهم في مستنقعات حب الظهور !!!
إذا جلس الواحد منهم  إلى زملاءه وإخوانه ، نصب نفسه عليهم أميرا ، فأمر ونهى ، وشرع ، وجرح وعدّل ، ورضي عمن شاء ، وسخط على من شاء …
أما في الرحلات – وما أدراك ما الرحلات – وما شاكلها  ، فإنه يصرح بتسلمه ( منصب ) الإمارة قبل أن تؤمر الجماعة ( من هو دون المقام ) ، دفعا للمفسدة ، وإظهارا لنعمة الله !!!
وقد يتواضع قليلا ، فينصب أحدا ممن هم في منزلته ، من باب : أمّرني وأأمرك !!!
وسواء أٌمر أحدهم ، أو أمر نفسه ، فإنه يبدأ مباشرة بإصدار أوامره التعسفية دون الرجوع إلى بقية ( الشعب ) الذين  لا يمتلكون حصافة الرأي التي يتمتع بها أمثاله …
وإن تكرم عليهم استشار على وجه السرعة شخصا أو اثنين من ( ذوي المقام ) ليخرج الأمر عندها كالرصاصة مستمدا قوته ، من اتحاد قوة تبوء مثله الإمارة ، وقوة المشاورة ( الصورية ) !!!
وإن حدث ما لم يكن في الحسبان ، وتولى ( المنصب ) غيرهم ، فإن في أوامره النظر والفحص والتدقيق ، لا يؤخذ إلا بعدلها !!!
إذا خاطب الآخرين ، تخرج الكلمة من فيه سمينة الحروف ، ليعطيها نفخ حروفها فخامة تتناسب ، وفخامة خروجها من فم الأمير …
وويل ثم ويل لمن لم يحسن توقير المقام ، فيبتسم أو يمزح في حضرته ، فإن النظرات الحادة التي تنطلق من وجه صاحبنا لسان حالها يقول : أستقلالا لعلمي ؟؟!! أم استهانة بقدري وعظيم مكانتي ؟؟!!! ألم تعتد مجالسة ( المشائخ ) ؟؟!!!
وإن مر على شخص أو ملأ فإن على الطرف الآخر ابتداءه بالتحية والسلام ، واستقباله بعظيم الإجلال والإكرام ، فإن الصغير يسلم على الكبير لا العكس !!!
حتى صار العبوس والتقطيب في وجوه الناس شارة على علمهم ، وموردا من موارد تنمية الهيبة والوقار !!!
وإن قدم مجلسا – وما أدراك بما ترزأ به المجالس – قفز في واجهته ، واحتضن صدره حضن المشتاق لمفقوده ، وفرض نفسه على الحاضرين فرضا ، ومما يعلم – إن كان يعلم – أن من سنة الحبيب – صلى الله عليه وسلم – أنه يجلس حيث انتهى به المجلس …
قد ملت مواطن الصدارة ، التي لم يتأهل أمثاله لها ، من حوزة شخصهم الكريم ، إذا شغلت فبه وأضرابه ، وإن خلت رمقوها بنظرات حادة ، كأنهم يريدون انتزاع المكان من المكان ، ليكونوا هم المحلّ والحالّ !!!
فإن رفع غيرهم لها ، وقدم على ( أصحاب الشأن ) فإن قدره لا بد أن ينزل - كي لا يتعاطى ما ليس له – ولو بسيل من النقد المتكلف ، والتشدق بخلافيات هامشية في ما يطرح من قضايا !!!
وكم عطلت طاقات ، وكم قتلت مواهب ، وكم دفنت قدرات ، لشغل المقام بهذه البالونات !!!
وإن دخلوا مسجدا – ولو في بلد غريب غير بلدهم – ( تشرفت ) السترة ، بسبق أمثالهم اليها ، وازدراء أصحاب المكان ، ولو كان فيهم من كان !!!
قد  مجت أسماع المجتمع انتقاداتهم اللاذعة ، ، وأساليبهم الجافة في التعامل مع القضايا ، ومخاطبة الآخرين ، ورزء كاهله بأثقال وأثقال من سيل اتهاماتهم وتحريمهم وتضييقهم على الناس في مسائل الرأي ، التي يجعلون فيها من الحبة قبة !!!
اعتادت ألسنتهم عبارات التكفير والتضليل ، ورمي الناس في وديان البراءة دون دليل وبرهان !!!
لا يعرفون لكبار السن توقيرا ، ولا لأهل الفضل تقديرا !!!
فنداء إلى هذه العقول الصغيرة ، التي انتفخت وانتفشت ، وأرعدت وأبرقت ، فأمطرت الوبال والنكال على من عرفوا بالاستقامة والصلاح في المجتمع …
نداء إلى العقول الصغيرة التي لم تكلف نفسها التزود بشيء من علم النفس ، ومراقبة الباطن …
ودعوة خالصة من قلب مشفق محب …
إلى الاطلاع السريع على بعض مختصرات علم النفس الإسلامي ، إن لم يسمح الوقت بقراءة مطولات الفن ، لنتعلم منها شيئا من طرق تزكية النفس ، وسبل الارتقاء بها ، وكيفية التعامل مع نزواتها ، وشهواتها ….
وقبل ذلك كله أدعوكم – اعزاءي – إلى التأمل في الآيات الأولى من سورة ( الشمس ) ، وتفيؤ ظلالها ، والتفكر في تلك الأحد عشر قسما المسطرة هناك ، لنعلم طريق الفلاح والنجاح .
ولنضع في أذهاننا دائما أن العلم وحده لا يدخل الجنة ، والا لاستحقها إبليس قبل البرية ، بل القصد من العلم إصلاح الباطن والظاهر ، والارتقاء بالنفس ، وحسن تقوى الله قلبا وقالبا .
وكلمة أخيرة  إلى كل من انخدع بأمثال من تناولهم الموضوع :
ليس كل ما يلمع ذهبا .
هدى الله الجميع ، ورزقنا الإخلاص في القول والعمل

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق