السبت، 26 مارس 2011

لا تحشر أنفك فضولا

من سنن الحياة البشرية وخصائصها ، أن جعل الله تعالى للعلاقات والارتباطات بين بني البشر حدودا لا تتجاوز ، وسدودا من الضرر هدمها أو محاولة تخطيها أو حتى استشراف ما وراءها ، ومن ذلك تبيين العورات وشرع أحكام الستر وتحديد العلاقات الجنسية والعاطفية ، وشرع أحكام القصاص والأروش والحدود وما إلى ذلك ..
ليبقي الإسلام الحنيف مساحة للمرء يكون هو ملكها ، وهو قائدها ، وهي سر من أسراره ، فإن الخصوصية في حد ذاتها غريزة في الإنسان ، وطبع مركب فيه ..
وإن أي اقتحام لخصوصيات الإنسان وأسراره وعوراته ، وما يستعيب أن يسأل عنه أو يستخبر عنه أو يحدث فيه مما يعتبره من أسراره ومعلوماته الشخصية ، يحدث في نفسه وخزة كبيرة ، وكأن القائل أو السائل اقتحم الحمى بعد أن حام حوله ، وأهوى إليه بشوكة حادة في سويداء قلبه وضميره ، فثمة مستكن أسرار ومخبأ خصوصيات شخصية قد يعتبر التدخل فيها بأي شكل من الأشكال هدر لكرامته ، واستهانة بحرماته ، وقد يرى في تلك الأمور وعاء لمادة الحياة ، متى ما هتكت وانكسر الكأس سالت مادة حياته على الأرض ولم يعد لحياته معنى يذكر ..
أخي الكريم
قد لا نلاحظ أحيانا أثر الدخول في هذه المعركة مع ضمير وقلب من نخاطب ، فنهجم على خصوصياته وأسراره بكل جرأة وجسارة ، فهو قد يتصبر ويسكت ، أو يتجاهل ويتغاضى ، وفي داخله من الثوران علينا ما الله به عليم ..
وإن من أركان النجاح في فن التعامل أن نحاول دراسة الأمور التي يعتبرها الناس خاصة على وجه العموم ، كالحديث عن العورات أو ما يدور بين الزوجين أو الخلافات العائلية الكامنة ، أو الاجتماعات الأسرية السرية وما شابه ذلك ، فنتجنب إقحام الشخص في مناقشات حول خصوصياته من هذا النوع مطلقا ما لم يحدث بنفسه عن الموضوع ، طالبا نصحا أو استشارة أو فتوى أو تخطيطا ، فيتطلب الموضوع زيادة مساحة المعلومات المتوفرة فنضطر إلى السؤال والاستفسار عن المزيد ..
ثم ندرس من نحتك بهم كثيرا من إخواننا وأقاربنا وأصدقاءنا ، وما ينفرد كل شخص أو كل عائلة من اعتبارات وقوانين في الخصوصية ، كي لا نتعداها ، ولا نقيس الناس على أنفسنا ، فما نراه عاديا قد يراه غيرنا خاصا ، ومعرفة ذلك تأتي من خلال المعايشة والمعاشرة ..
واعلم أخي الكريم أن الناس تستثقل الشخص الذي يحشر أنفه في خصوصياتهم أيما استثقال ، وتنفر منه أشد النفرة ، وإن اعتقد البعض غباء أو تغابيا أن السؤال عن الحبة والقبة من أمور الناس وأحوالهم من حسن الأخلاق ومن اللباقة في الحديث ، وأنهم حين يقتحمون ما يقتحمون ويهتكون ما يهتكمون قد دخلوا الاجتماعية والأريحية والخفة من أوسع أبوابها ..
إن الناس تميل دوما إلى الشخص الذي ( لا له ولا عليه ) كما يقولون ، وكما نسمع كثيرا عندما يمر على آذاننا مدح لهذا أو ذاك ..
ولننظر لأنفسنا ..
هل نحب أن يتخل أحد في أسرارنا ، ويسألنا عن كل شيء في حياتنا ، وعلاقاتنا بأزواجنا ,وما يدور في بيوتنا وغرف نومنا ؟
هل نميل لمن يصب علينا سيل أسئلة واستفسارات كلما بدا لنا عمل مشروع أو التخطيط لعمل نحن بصدد تنفيذه وقتها ؟
ولا غرابة من الطبع المركب ، ولكن الغرابة كل الغرابة أن يعرف بعض الناس من نفوسهم هذا الطبع ثم يتجاهلوه في غيرهم ، وكأن غيرهم صخورا صلداء ليس لها أسرار وخصوصيات ، ولا ضير في اقتحام حمى كراماتها وحشر كل أنف في أخص معلوماتها ..
فإن كنت تود أن تكون خفيفا قريبا سهلا محبوبا ، تعيش في سلام وسعادة مع من حولك ، فاحفظ لكل خصوصياته ، ولا تناقشه إلا فيما يحب أن يناقش فيه أو يساءل عنه ، وما يجد في الحديث عنه كامل الراحة ، ولا تكن مع الصديق شرطي تحقيق ، أو مسؤول مباحث ..
واعلم أن أخطر ما في الأمر أن يحدث التدخل أمام الناس ، وفي التجمعات ، فإن تلك الكرامة المهدورة ، والستائر المهتوكة ستضم غيضا وحقدا تركل بك إلى خارج ساحة المحبة والخفة والسعادة الاجتماعية ..

محمد بن سعيد المسقري
Mq99@hotmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق