السبت، 26 مارس 2011

لا تبن علاقاتك على الحذر فتبترها

من رحمة الله بالإنسان أن جعله اجتماعي بطبعه ، يميل إلى الألفة والقربة ، ويحب أن يكون محبوبا مرغوبا فيه ، اتصاله بغيره وألفته بمن حوله بمثابة شحنات من الطمأنينة والراحة والسرور ، ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف ...
لذلك كانت العلاقات فيما بيننا ، صداقة أو أخوة أو جيرة أو قرابة أو زمالة ، وكل طرف في هذه العلاقات محتاج إلى الطرف الآخر ، ويحرص على أن تخلو ساحة العلاقة من الأشواك  ، ويصفو ماءها من الأكدار والشوائب ..
وإن من أكثر ما يحفظ علاقاتنا ويديمها ، ويرسخ جذورها ، قيامها على الصفاء والنقاء ، وخالص الود والإخاء ، فصفاء قلبي طرفي العلاقة أمر يعطي للعلاقة قوة رهيبة ، تفتت أي صعوبة تقف في وجه استمرار العلاقة ونقاءها ..
فإن أردت أن تبني جسرا متينا من العلاقات القوية بينك وبين أقرانك وأصدقاءك وزملاءك وأقرباءك وجيرانك ، فما من وسيلة أقرب ولا أجرأ على تخطي العوائق من أن تصفي قلبك تجاه من تطمح أن تقيم معه علاقة أو ترغب في استمرار علاقة قائمة بينك وبينه ..
ولا يجتمع الصفاء وسوء الظن بحال ، فسوء الظن وخبث الطوية تجاه الآخر أكثر ما يكدر هذا الصفاء وينقضه ، كما أن الثقة والاحترام المتبادل بين الطرفين ركيزة هامة في نقاء العلاقة ..
فلا بد من تفهم أفعال الطرف الآخر وحملها على المحمل الحسن دائما ، ما دمت تؤمن فعلا أنه صديق وأخ ناصح ، ومخلص ويحمل قلبا نقيا تجاهك ، فإن وعدك وتأخر عليك فقل عل ظروفا شغلته وأخرته ، وإن غاب عنك ، فقل للغائب عذره ، وإن تعود أن يمر عليك عند زيارته لفلان أو ذهابه للمكان الفلاني فأخلف العادة مرة فقل عله نسي المرور أو عجله أمر طارئ أو حمل أهله معه للمكان ، وإن كان يخرج معك في سيارتك مثلا ثم اشترى سيارة واستقلها لمشاويره ، فلا تقل بدأ فلان يرى من نفسه الغنى فاستغنى عنا وأنف أن يركب معنا ، بل قل أراد أن يخفف عنا العبء والعناء ، ولأهله مشاوير هم بحاجة فيها إلى سيارته ، وإن طلبت قرضا فلم يمنحك ، فلا تقل ظن بماله علينا ، بل قل إن ظروفه لا تسمح وارتباطاته المالية ربما أرهقته ..
وعندما يطلب منك ترك شر أو فعل خير فاحمل كلامه على محض النصيحة وصفاء الإخاء ، ولا تنظر في كلامه بالنظرة الأخرى ، فتبدأ في وزن المصالح التي يجنيها من وراء تطبيقك لنصيحته ، ظنا منك أنه يتحرك لمصالحه ويمشي في مطامعه فحسب ..
وعندما يتفوه أمامك بكلمة فلا تقل الآن تكشف أمر فلان وتشرع في عد الكلمات المشابهة لتنسج منها سلسلة من الظنون السيئة وتحمل نصف كلامه على العداء وإثارة الخلافات ..
وإذا تحدث عن احد من اهلك فلا تحمل كلامه على التعيير ومحاولة الانتقاص ، بل احمل كلامه – إن كان محقا – على انه يتألم لما يكدر صفو أهلك وأسرتك ، وهو مشفق عليكم كإشفاقه على أقرباءه .. وهكذا ..
وإلا لشرعت نفسك الخبيثة على تقسيم النية إلى عشر ، والمحمل السيئ إلى تسعين محملا أسوأ منه ، فتظل بين ما أراد إلا كذا ، وما أراه إلا يقصد كذا ، وها قد عرفنا فلان ، وانكشف على حقيقته ، وتتوالى الظنون السيئة ظنا بعد ظن ، وتزيد التفسيرات الخائبة والتأويلات الخاطئة لأفعال الصديق  يوما بعد يوم ، فتعمد بلا شك إلى اتهامه علنا بما يدور في صدرك ، أو يحس على الأقل بنفورك ، وينشأ في نفسه النفور أيضا ، وذاك أمر حتمي ومصيري لعلاقة قامت على الشك ، والحذر المبالغ فيه ، فيتهتك الخيط الذي بينك وبين الرفيق تدريجيا بعد أن كان صلبا يفتت الصخور الصلاد  ويغيض الحاقد ، ويقتل الحاسد بناره ، إلى أن ينقطع الخيط  ، لتبدأ النفس بعدها في عد زلات الطرف الآخر في العلاقة ، ومبرأة نفسها ، وكأنها تريد سلخ الشاة بعد ذبحها ، فتلعن الفاعل ومديتها تقطر من دم الجريمة ، وتقتل القتيل ثم تمشي في جنازته ..
وإلا فما هدم العلاقة غير تلك التفسيرات المتعسفة لتصرفات الصديق ..
هل ضاقت الأعذار ؟ أم ضاقت الصدور عن تقبلها ؟
هل مات حسن الظن والمحمل الحسن ؟ أم ماتت القلوب فلم تعد تحس بطعم الأخوة الصافية ، ولا يهمها أين ذهبت الأيام بالعلاقة وفي أي منحدر تهوي ..

فليكن حسن الظن السليم شعارنا ، سيما مع الأصدقاء الناصحين المخلصين الذين نعرف فيهم صدق الود وخالص الإخاء ، والذين تعودنا منهم كل بر وإحسان وخير لنا ولأهلنا ، أما أصحاب القلوب الحاقدة المبغضة الضيقة فما لنا ولصداقتهم ؟ ولم نبني علاقة معهم ..
واعلم أن حسن ظنك يريحك ويريح  أعصابك ، ويضفي على قلبك الصفاء والطمأنينة ...
فتشعر بالسعادة حقا في علاقاتك ، وتنال المحبة والصفاء من الآخرين كما وقرتا في صدرك وعاملت بها الناس ...
محمد بن سعيد المسقري
Mq99@hotmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق