السبت، 26 مارس 2011

لا تكثر الملامة

عندما لا يروقنا أو لا يتناسب وفكرنا أو مزاجنا أو عاطفتنا تصرف من صديق نصاحبه ..
وتلقائيا ودون شعور في كثير من الأحيان ...
نشرع في الملامة ...
فنوجه سيلا من الكلمات والعبارات – غير المنتظمة وغير المتناسق أحيانا – نوجه بها اللوم لذلك الصاحب على ما ( اقترف ) !!
ويدفعنا في ذلك – غالبا – الحرص على الصديق أن يضل صالحا وذا سمعة طيبة ، وسلوكه أن يبقى مستقيما وطيبا ، وذاك شعور من الجمال والروعة بمكان ، وفي إخلاص المحبة والمودة ذا قيمة وتأثير ..
فما أروع أن تقوم الصداقة على الحرص على سلوكيات الطرف الآخر واستقامته ، بدلا من وجه المصالح الشخصية المكفهر الذي تلبسه بعض الصداقات وللأسف الشديد ، حتى ظن من ظن أنه انعدم الصديق المخلص في زماننا ، ولا إخاله كذلك ، ففي الناس خير ، وللصالحين الأخيار بقية ..
إن توجيه اللوم إلى صديق على عمل ينبغي أن يقوم على أسس نضمن – أو نكاد – من خلالها أن لا تخدش الملامة جدار الصداقة ، وأهمها :
أولا : لا تلم في المباحات الشرعية والعرفية ..
 ليس كل تصرف لا يروق لمزاجنا أو لم نتعود عليه  هو تصرف خطأ ، فأمزجتنا وأهواءنا ليست مقياسا لتصرفات الناس من حولنا ، وإلا لوجدنا حولنا كثيرا مما قد لا يتناسب وهوانا ..
إن المقياس الحقيقي هو رأي الشرع الحنيف في التصرف ، ثم عادة الناس وما تواطأ عليه غالبية المجتمع ، وما اعتاد عليه أهل البلدة ، أو ما كان شائعا بين هذا الصنف أو ذاك ..
فقد يروق لك لون القبعة الزرقاء ، ولا يميل طبعك للخضراء مثلا ، أو تحب المصر الأحمر ولا تألف الأسود وهكذا ، أو تشرب كذا ولا تحب شرب كذا ، أو ترغب في أن تمشي في الدرب الفلانية ولا تعجبك غيرها ،  هذه الأمور وأضرابها من المباحات تختلف فيها أذواق الناس وطبائعهم ، ويرغب الإنسان أن يجد حريته فيها ، ففيها تكون الملامة من السماجة والسخف بمكان ، وتحدث ألما في النفس من سفح دم الحرية الشخصية في الداخل ، ما لم يكن النقد قائما على الأسس الشرعية المعروفة ..
ثانيا : لا تلم بناء على نظريات وفرضيات أو قواعد تافهة لا تقوم على بنيان
قد تظن ظنا ،  أو سمعت جاهلا يذم الطعام الفلاني ، أو ينتقد لبس كذا ، أو حركة كذا ، أو سمعت عن نظرية لا تدري أصلها ولا رأسها ورجلها ،  فلا تسرع بسكين الملامة إلى عنق صديقك الذي رأيته يقوم بالتصرف ..
ثالثا : الملامة عند التكرار والإصرار
عندما نجد أن التصرف فعلا خطأ في رأي الشرع أو العرف فلا نعجل الصديق بالملامة ، ولنتريث ، فربما كانت هفوة مارة ، أو شيئا غير متعمد ولا مقصود ..
رابعا : نغفر الصغير لأجل الكبير
قد يبتلى الصاحب باخطاء من ذوات الحجم الكبير ، لديهن فتيات صغيرات عبارة عن زلات بسيطة بجانب تلك ، فيجب أن يكون الاهتمام بالكبير ومحاولة إصلاحه ، لا أن نلوم الصديق على صغائره صبحا ومساء ونتعامى عما يهدم حياته أو مستقبله أو يقض أركان دينه ..
خامسا : لا تلم على الأمور الخاصة والسرية
أسرار الناس صندوق شخصي خاص ، لا يحبون أن يفتحه من أراد ، ويفتش فيه من شاء ، فدع خصوصيات الصديق وأمور أسرته وشؤونه الداخلية ما لم يطلب منك التدخل ..
كما أن من المعلوم أن بعض الناس يتحسسون من أشياء معينة أو يعتبرونها أسرارا ، وإن كانت غير ذلك عرفا ، فإذا وصلك علم من خلال معاشرته بما يراه خاصا دون غيره فأبعد سيف ملامتك عنه ..
سادسا : لا تكرر الملامة إلا لحاجة
يحاول الصديق الذي تهمه مصلحته عندما توجه له لوما صحيحا أن يعدل سلوكه ، وقد يقع مرات في طريقه ، فلا تعد وقوعه مؤشرا للحاجة إلى ملامة جديدة ، فتكرر الملامة كلما تكرر الخطأ وتقف على رأسه بالمرصاد ، بل اكتف بالأولى ما لم تدع حاجة ماسة لذلك ..
أما أن تبني عشا لملامتك في أذن صاحبك ، كلما رأيت منه التصرف أرسلت فرخين أو ثلاثة لزيارة العش ، فاعلم أنك تصنع قنبلة يمكن أن تفجر دعائم الصداقة في أي لحظة ، فإن مجرد توجيه النقد واللوم يحز في النفس ، وتلك طبيعتها ، فما بالك به كل لحظة وآن ..
سابعا : يجب أن يكون اللوم بالحكمة وبالأسلوب الحسن ، فإن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ، وحبذا التعريض ففيه عن التصريح كفاية في كثير من الحالات ، والصديق الواعي يلقطها وهي طائرة في الهواء كما يقولون ..
أخي الكريم
هذه إشارات سريعة لقضية الملامة ، وما كتبتها إلا لعلمي أنك تحرص على علاقاتك ، وتحرص على سلوكيات من ترتبط بهم ، وبورك الشعور ، ولتكن الحكمة دليلك ..

محمد بن سعيد المسقري
Mq99@hotmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق