السبت، 26 مارس 2011

للحساد نارهم

روي عن الصادق المصدوق – صلى الله عليه وسلم – أنه قال : " دب إليكم داء الأمم من قبلكم الحسد والبغضاء "
صدق الحبيبي بأبي هو وأمي ..
فالحسد داء عضال خطير ، أشبه ما يكون بنار تأكل الأخضر واليابس من المكان الذي تحل فيه ، ونار الحسد تلتهم شجيرات ونباتات القلب التهاما غريبا ، فما يبقى فيه اخضرار ، ولا حتى صورة نبات حي ، فتحزم السكينة أمتعتها من المكان ، وتستقل الطمأنينة أقرب قطار يدق أبواق الرحيل ، فليس لهما في قلب عشش فيه الحسد مكان ، فهما إما يصليان بنار تلظى أو يموتان من الاختناق المخيم في الأجواء ..
يقلب القلب المسكين فكره من مال فلان إلى جاه فلان ، ومن نعمة فلان فيها فاكه إلى مركبه ومسكنه الفاره ، يستعرض النعم التي تغدق على الناس صباحا ومساء لا تأملا في خلق الله ، أو اعتبارا واتعاضا وحسن شكر وتمجيد وتسبيح لمن وهب وأنعم ، بل غيضا وتلهفا ..
كم راتب زيد ؟ وما منصب عمرو ؟ وكم ولد لدى خالد ؟ وهل زوجة علي معلمة ؟ وهل حصل فلان على ترقية ؟ إذا سيزيد رتبه كثيرا ..
تلك أسئلته وحديثه ، وهذا همه وأكبر ما يدور في جنانه ..
وقد عده العلماء من قواعد الكفر ، إذ يعدو بصاحبه في طريق التسخط من نعم الله تعالى ، حتى يبدأ الشيطان في غرس مبدأ ظلم الله لعباده ، تعالى الله عما يملي الحسد وشيطانه علوا كبيرا ...
تلك حياة الحاسد المسكين ، وذاك نصيبه من النعم التي يتملى قلبه فيها ليل نهار ، لا يهدأ ولا ينام ما دامت لدى أحد نعمة ، فما أتعبها من حياة ، وما أشقاه من عيش ..
إن مثل هؤلاء تكفيهم نارهم التي تزعج قلوبهم أيما إزعاج ، والغريب كل الغرابة أن نجد
من الناس من يحسد الحاسد على حسده ، أو يتضايق من تعليقاته على النعم والزيادات ..
أخي الكريم
ستجد هنا حاسدا وهناك حاسدا ما زلت في نعمة الله ، وإنك كذلك دوما ولله الحمد والمنة ، ولن تعدوك أعينهم ونظراتهم وتعليقاتهم وأسئلتهم ، واستفساراتهم ، وكلما زادت نعمك وتبحبح عيشك ، فزاد مالك أو عظم جاهك ، أو علا منصبك ، أو اتعسعت رقعة شهرتك ، أو ارتقيت درجات في سلم المكانة والمنزلة لدى الناس ، اقتربت من عدسة المجهر أكثر ، وزادت عليك الملاحظات ، وبدأت الاتهامات تتوالى ، والانتقادات تمطر عليك أمامك ووراءك ، وقد ترمى بالكبر ظلما وعدوانا ، وبالغرور كذبا وزورا ، وتحسب عليك كثير من الحركات والسكنات من قبل هؤلاء ، يريدون أن يخففوا من هول الصدمات التي تصفع قلوبهم كلما زادت لديك نعمة ، ولهيب النفحات المحرقة التي تلفح أفئدتهم ما توالت النعم عليك وعلى غيرك ..
وإن النجاح في التعامل مع أمثال هؤلاء ، يحتاج إلى ثلاثة أركان :
أولها : الاعتقاد الجازم أن هؤلاء ليس بيدهم نفع ولا ضر إلا بإذن الله ، فهم تحت مشيئة الله وتصرفه المطلق ، ولا يملكون لأنفسهم نفع ولا ضر فكيف لغيرهم ، فدع أذاهم وتوكل على الله ..
ثانيا : حصن نفسك من كيد أي كائد بتلاوة آيات وأذكار الحفظ كآية الكرسي والإخلاص والمعوذتين وأـذكار الصباح والمساء ، وغيرها من الأذكار ...
ثانيا : اعمل بقاعدة طنش تعش منتعشا  ،ولا تلتفت إلى كلامهم مطلقا بأي شكل من أشكال الالتفات ، ولا تعرهم أي اهتمام ، وكأنك لم تسمع ولم تر ، ولا ترهق أعصابك بالرد على انتقاداتهم ، وتعليقاتهم على النعم التي حباها الله لك ..
فإن الرد على هؤلاء على كثرتهم وكثرة ما ينتقدون وما يحاولون طمسه من نعم ، يتطلب الكثير من الجهد والوقت ، ويحرق الأعصاب ، ويقتل الطمأنينة القلبية ..
ثالثا : لا تظهر لهؤلاء أحزانك وتعبك ، ومصاعب الحياة معك ، كي لا تفرح قلوبهم ، فدعن ونارهم ، يصطلون بها ملوها أم ملتهم ، أحرقتهم أم أردت بهم إلى الإحراق الكبير في جهنم ، أو جمعوا الحريقين ...

محمد بن سعيد المسقري
Mq99@hotmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق