السبت، 26 مارس 2011

انطلق .. الآن

لما حضرت أحد الصالحين الوفاة ، قال له أصحابه : أوصنا ، فما زاد على أن قال : أنذرتكم سوف !!
لقد اختصر ذلكم العالم الصالح تجارب حياته وخلاصة علمه في هذه الكلمة ، وما أتى كلامه من فراغ وهذيان ، وإنما هي الحقيقة المرة التي يجهلها كثير من الناس ..
فما من عاص أو مذنب ينوي أن يلج في المعصية لجا حتى الموت ، إلا ما ندر ، ولكن : سوف وسوف وسوف إلى تداهمه المنية وتغتاله على حين غرة ..
فحق لسوف أن تكون الرائدة في مجال تفويت الأعمال وتضييع الفرص ..
فإن سفينة الأيام تسير ببني آدم سيرا حثيثا حثيثا ، يلاحقها الدهر من وراءها ، فترى الزمان يتقارب ، والسنون تعدو خلف السنين بجد واجتهاد ،  والأيام تمسك بيد بعضها البعض معجلة الخطى في هذه الرحلة السريعة ، والساعات تتعانق حتى تكاد تتداخل فيما بينها ، ليصل المجد والمتخاذل ، والنشيط والخامل ، كل إلى مصيره ، وما عاش عليه حياته ...
إن كل هذا التسارع العجيب ، والاتفاق الغريب على فري أعمارنا ، ليدعونا إلى وقفة تأمل وتدبر ، تزيح الستار عن فاضح اللهو والعبث ، ومائع التضييع والتفويت والتسويف ..
فعندما يكشف الدهر عن أقنعته التي تحجب عقل الغافل اللاهي ، يدرك فكر العاقل الأريب حاجته الماسة إلى إعادة النظر في معنى الحياة ، إن كان قد تلطخ بأفكار الغوغاء والذين يعيشون للاغاية ومن أجل لا شيء ، إنما يسيرون حيث سار الناس ، أبطأت بهم السفينة أم أسرعت ، وتوجهت بهم شرقا أم غربا ...
أخي الكريم
قبل أن يركلنا الدهر خارج معترك الحياة ، وتلفظنا الحياة  على حين غرة ، علينا أن نعد العدة لما خلقنا من أجله ، وما سنضع عليه أقدامنا بعد النزول من على متن السفينة ...
ولنعلم أن أي تأخير لبدء الانطلاقة الحقيقية نحو الهدف المنشود يفوت الكثير من الفرص ..
واعلم أن النفس عندما تنوي لعمل ثم تقول لك غدا سأبدأ فيه ن رغم أن باستطاعتها أن تبدأ اللحظة ، فإنها لا تنوي أن تعمله البتة ، إنما هي عهود غدر ومواعيد عرقوب ، ورغبة جامحة في المماطلة والتهرب من المسؤوليات ..
فكم فوتت سوف على الناس من خير الدنيا والآخرة ..
نعزم على العمل وننوي فعله ، ثم إذا قلنا سوف أتبعناه ب " سوفات " ، حتى نكاد أن نقول سوف نقول سوف ..
تجد الطالب قمة في الذكاء وآية في الحفظ والتذكر ، يسوف المذاكرة ومتابعة الدروس حتى ليلة الامتحان ، فيختلط عليه الحابل بالنابل أثناء الإجابة ، فينحدر في أحط مستوى قد لا يصل إليه أكثر الطلاب حصيلة ...
وتجد الموظف الملتزم الذي لديه من فضلة راتبه ما يصلح أن يكون أداة قيمة في نشر الخير واالدعوة ، تغزوه سوف في أعماق قلبه ، فيغل يده إلى عنقه ن لكي يبدأ في الإنفاق بداية السنة الجديدة أو في شهر رمضان ، ليهيأ له الشيطان عندها أعذارا جديدة ، ومصاريف متعددة ، فتخرب عليه سوف مشاريعه ..
وهكذا هو التسويف ، إما أن نقطعه بسيوف العزيمة الفولاذية الوقادة أو يقف حائلا بيننا وبين خيرات كثيرة جدا ...
فتأمل أخي الكريم في منصرم أيام حياتك ، وما سوفت من أعمال ، وتدارك ما فات منها بقتل سوف بخنجر الإقدام وعدم التردد ..
فإن في ذلك طريق النجاح بإذن الله تعالى ..

محمد بن سعيد المسقري
Mq99@hotmail.com  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق