السبت، 26 مارس 2011

حدد أهدافك

قالوا قديما : من اشرقت بدايته أشرقت نهايته ..
أجل ..
إن رسم الخارطة المطلوبة للبناء رسما سليما دقيقا متقنا  ، والمشي خطوة خطوة وفق ما تقتضيه الخارطة ، وهندسة العمران ، من أهم عوامل نجاح البنيان ..
وإن رسم معالم طريق الرحلة ، والتصور السليم لخارطة الدرب التي نسلكها ، منعطفا منعطفا ، وإشارة إشارة حتى بلوغ المكان المحدد ، عامل أساس في توفير الكثير من الوقت والجهد والمال ، وركن مهم جدا في الوصول العاجل دون خسارات جانبية وإضافية ..
وكذا هي درب السعادة ..
من أراد أن يسلكها فلا بد أن يتصورها التصور السليم ، ويرسمها في ذهنه رسما صحيحا ، ليمشي بسلام حتى نهاية المطاف ، فلا يخزى يوم يبعثون يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم ..
أما العشوائية وعدم الوضوح ، دليل قائد إلى التخبط والوقوع مرات ومرات ، وربما الانحراف والزيغ والعياذ بالله
ومن سلك الطريق بلا دليل .... تخبط هوة واشتاك شرا
ولا تتضح الطريق إلا برسم الأهداف وتحديد الغايات ..
أما غايتنا الكبرى فمرضاة الله سبحانه وتعالى ، ونيل رضوانه والنجاة من أليم عقابه ، والفوز يوم التلاق ..
وفي درب هذه الغاية السعيدة ، أهداف يجب أن ترسم في بداية المشوار ، حتى تكون الدرب واضحة جلية ، فإن السالك لهذه الدرب مستهدف دوما من قبل نفسه الخبيثة الأمارة بالسوء أولا ، ثم من قبل شياطين الإنس والجن الذين يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ، ولا ينفك هؤلاء وأولئك عن محاولة صده عن الدرب ، متى ما وجدوا الفرص السانحة ، ولن يجدوها في ظل وضوح الأهداف والهمة العالية لتحقيقها ..
فلنبدأ في رسم الأهداف التي ننشد تحقيقها ، على أن نراعي في رسمنا ما يلي :
(1) أن يكون الهدف داخلا في الغاية الكبرى ، وموصلا لها ، فهو أحد أبناءها ، وواحد من فروع شجرتها الكريمة ، فلا مجال للأهداف المحرمة ، أو التفاهات الشاغلة ، فهي هدف من لا هدف له ، وهم من لا هم له ..
(2) وضوح الهدف وضوحا تاما ، فالهدف غير الواضح عدمه ربما يكون خيرا من وجوده ، إذ يشوش الفكر ، ويلجلج السلوك ، ويكون مرتعا خصبا للفاتنين الصادين ، ليوسعوا دائرة غموضه ، حتى تختفي معالمه وحدوده ، مذهبين الجهد المبذول هباء منثورا ..
(3) الاقتناع التام بالهدف ، فإن القناعة سائق إلى العمل الجاد كما أسلفنا ، والهدف الذي لم نقتنع به حقا ، قد نندفع اندفاعا عاطفيا لتطبيقه فترة بسيطة من الزمن ، ثم لا تلبث العزيمة أن تخبو ، راضخة للنفس التي تناقش وتسأل دائما لم أفعل كذا وما فائدة كذا وما الغرض من قيامي بكذا ، وإيحاءات الشياطين المستمرة ..
(4) أن يكون الهدف في حدود المستطاع ، فكما يقال إذا أدرت أن تعصى فاطلب ما فوق المستطاع ، وتكليف النفس فوق طاقتها وقدرتها ، يوهن عزيمتها ، ويفت قوتها فتا ، فلا أرضا تقطع ولا ظهرا تبقي ، وربما ابتعدت عن الطريق من الكلل والتعب ، ونفرت نفورا تاما ..
(5) وضع خطة زمنية محددة للهدف ، ولا يكون الهدف عائما ، فإن الهدف العائم ، داعية إلى التسويف والتأجيل ، ويضيع الهدف في خضم المشاغل والملاهي والعوالق النفسية ، لنجد الأيام تمر دون تحقيق شيء ..
(6) وضع خطة تفصيلية لكيفية تحقيق الهدف والوصول إلى الغاية ، أي برنامج دقيق نسير عليه خطوة خطوة ، في حدود الفترة الزمنية المحددة .
(7) يجب أن يكون في البرنامج المحدد تحسب للظروف الطارئة ، ومراعاة للأحوال الأسرية والاجتماعية ، ومراعاة للنفس وطلبها للراحة والاستجمام ، فإن إغفال هذه الأمور ، يؤدي إلى الاصطدام بها وجها لوجه ، دون عدة أو عتاد ، وقد ينهار البرنامج بعد بضعة مواجهات وجولات ..
(8) يجب أن يكون الهدف مناسبا للشخص ، فلا يقل طالب علم مبتدئ ، هدفي هذه السنة أن أقرأ كتاب طلعة الشمس ، أو طالب علم في الثانوية العامة يقول : هدفي أن أحفظ هذه السنة المتن الفلاني ، فهذا من حبائل الشيطان كي يضيع دراسته ، ثم يعيش لاهثا خلف اللقمة ، ولا يحفظ بعدها لا هذا ولا ذاك ، فهمومه تكفيه وتغنيه ..
فالأهداف تختلف من شخص لآخر ، فأهداف الشاب غير أهداف الشيخ أو الكهل ، وأهداف الفتى تختلف عن أهداف الفتاة ، والمتعلم عن الجاهل ، وطالب العلم المبتدئ عن المتبحر ، والغني عن الفقير ، وصاحب الجاه عن المغمور ، وصاحب الخطابة والبيان عن صاحب الإبداع والكتابة وهكذا ..
(9) تنوع الأهداف وتوزيعها على أوقات اليوم ، فإن الانغماس في تحقيق هدف واحد ، يجعل الحياة رتيبة مملة ، وذاك من طبيعة النفس وجبلتها .
فبعبارة مختصرة أقترح أن يضع المؤمن جدولا للأهداف التي ينشد تحقيقها خلال فترة معينة ولنقل سنة أو ستة أشهر ، يكون في رأس الجدول الخطوط العريضة للجدول مثل :
الأهداف العلمية – الأهداف الأسرية – الأهداف الاجتماعية – الأهداف الاقتصادية – الأهداف الدعوية – أهداف في مجال العبادة – وهكذا ..
ثم تحت كل بند مجموعة الأهداف التي يرغب أن تكون في أرض الواقع بعد المدة الزمنية المقررة مثل :
الأهداف العلمية : حفظ جزءين أو ثلاثة أجزاء من القرآن الكريم – حفظ خمسين أو مائة حديث -حفظ المتن الفلاني – حفظ كذا من الأدعية الثابتة في السنة او عن بعض السلف – قراءة كذا من الكتب الفقهية او الفكرية أو التربوية أو التأريخية وهكذا ..
ثم وضع خطة يومية أو أسبوعية ، تتضمن الأوقات التي نقضيها لكل غرض وبالتحديد ، ووضع ما نأمل أن نحققه في كل جلسة يومية أو أسبوعية لكل هدف ، مثل :
بعد صلاة الفجر وحتى شروق الشمس أحفظ ربع حزب أو صفحتين من كتاب الله ، في ساعة كذا أقرأ كذا ، في وقت الفلاني أزور فلانا ..
ويتخلل الجدول اليومي فترات راحة واستجمام ..
وبهذا تجد نفسك بعد مضي الفترة المحددة تلقاءسا حققت الهجف بنجاح وجدارة ، وذاك قائد بمشيئة الله إلى النجاح الأكبر يوم العرض الأكبر .

محمد بن سعيد المسقري
Mq99@hotmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق