السبت، 26 مارس 2011

ذهب الخيط وانقطع العذر


في خضم الحياة وصراعها ، وتغير الظروف وتقلباتها ، وكثرة الأعمال وتزاحمها ..
كثيرا ما يذهل الإنسان ، ويغطى على قلبه فينسى ويغفل ، وقد تختلط عليه المواعيد ، وتتشابك في ذهنه الأمور ...
مما يؤدي إلى فوات كثير من المواعيد ، وتضييع كثير من العقود والعهود التي نقطعها على أنفسنا ، وإن كان للإهمال دور ، فالاهمال وهو بحجمه الصغير في أعيننا رأس الأفعى والعنصر الفعال في تركيبة التفويت والتسويف ..
لذلك كان من الجميل أن نجد ما يذكرنا بمواعيدنا ، وينبهنا في أوقات غفلتنا عنها أو اشتغالنا بأمور أخرى ..
وقد كان الناس في الماضي ، إذا خشوا نسيان أمر وأرادوا تذكره ، عقد الواحد منهم خيطا على إصبعه ، حتى يظل ذلك الأمر في ذهنه ، ويذكره متى ما رأى الخيط في إصبعه ..
أما في وقتنا فقد سهلت القضية ، فثمة المفكرات الورقية الصغيرة ، سهلة الحمل ، وبإمكانك أن تدون فيها ما شئت من مواعيد وأشياء مؤقتة ، وكثير منها مقسم حسب الأيام والأشهر ، وحتى الساعات ، حيث وضع كل شيء في زمانه بمنتهى الدقة ، وكتابة الأمر بالتفصيل الممل ..
حتى بزغت شمس الهواتف النقالة التي أصبحت هي الساعة والمنبه ودليل الهاتف والمسجل والراديو والفيديو والمفكرة والكاميرا ، فوفرت حمل الساعات أو المفكرات ، فأصبح الشاب يدون مواعيده على هاتفه ، يذكره بها في موعده بدقة ، فسبحان من علم الإنسان ما لم يعلم ...
إن الله تبارك وتعالى لما خلقنا وأجزل لنا النعم حملنا من المسؤولية بمقدار النعم التي وهبنا إياها – وما أكثرها - ، وبقدر تطور النعم ، وتيسر الأمور تزداد مسؤوليات الإنسان ، فعندما لا يتوفر ما يذكر بالأمر يكون الإنسان يكون الإنسان معذورا نوعا ما في التفويت غير المقصود ، أما عندما يهبنا الله نعما وآليات وتقنيات قمة في التطور والتقدم والسهولة ، وأصبح كل شيء في متناول اليد ، فإن المسؤولية تزداد ، والأعذار يتقلص تقبلها شيئا فشيئا ..
قال تعالى : " فاتقوا الله ما استطعتم " ، وقال : " لا يكلف الله نفسا إلا وسعها "
والاستطاعة تزداد بزيادة النعم والوسائل وما يعين على إنجاز العمل ، وتحقيق الهدف ، وبالتالي تزداد المسؤولية .
وقال : " لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها "
فهي غير مسؤولة عما لم يتوفر لها ، وفي الوقت ذاتها تزداد حجم مسؤوليتها بقدر ما تؤتى ، وما ييسر الله لها ..
وقد كان الناس في الماضي يضربون المثل في عدم الوفاء بمواعيد عرقوب ، وذلك دليل على أن الغالب حفظ العهد والوعد ، رغم قلة ما يذكرهم ، أما الآن فتضرب المثل بمن وتتغاضى عن من ؟
لم يجد الناس ما يضربون به المثل في ذلك إلا أمة بأكملها ، فأصبحوا يقولون : مواعيد عرب ، لشيوع الصفة رغم ما حبانا الله ..
أخي قارئ السطور
اعلم – أسعدك الله وإيانا – أن خلف الوعد وتضييع الأمانات والعهود ، يفقد ثقة الناس بالمرء ، حيث أن الثقة كالشجرة ، يرويها الوفاء ، ويقتلها تكرار الخلف والغدر ، وتتابع الخيانات ، ويضعفها التردد والتلكؤ ..
فالصديق الذي تخلفه الوعد مرة ومرتين وعشرا ، كيف تستبعد أن تضعف ثقته بك ، وتهتز شخصيتك أمامه ؟
فلنحرص أخي الكريم على استغلال ما وهبنا إياه ربنا من هذه التقنيات الحديثة في تحقيق مقاصد الإيمان ، وعمل الصالحات ، وما الدنيا بزخرفها وتقنياتها واتصالاتها إلا مزرعةو للآخرة ، وما كان مبتورا عن طريق الآخرة ، مسخرا لغير دربها ما هو إلا كرماد اشتدت في الريح في يوم عاصف ..

محمد بن سعيد المسقري
Mq99@hotmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق