السبت، 26 مارس 2011

لا ترفع رأسك كثيرا .. فتكسر رقبتك

قبل أن يسرح فكر القارئ الكريم في الذين يراهم في أوساط المجتمع رافعين رؤؤسهم شامخين بأنوفهم ، والذين يعتقد كثير من الناس أن نظرتهم دليل عز وقوة شخصية ، وثقة بالنفس ورجولة ، ويفعلون ما يفعلون عن عظم جاه وجدة  دائما ، وفي الواقع قد تكون نظرتهم إنما تنبع من نزعة كبر وغرور وإعجاب بالنفس ، وربما كانت نفس هذه النظرة سببها عقدة نقص وآفة نفسية أو فكرية ، فهم يحاولون أن يبحثوا عن ذاتهم الغائبه ، والضمير المستتر من مكانتهم ومنزلتهم ، فيجاهدون لإثبات أن ليس لديهم ما ينقص أو يستعاب ...
أقول لست هنا بصدد تفسير النظرة المادية الحقيقية لجهة الفوق ، أو تحليل شخصيات هذا الصنف من الناس ..
إنما أردت أن أوجه عناية القارئ العزيز إلى قضية كبيرة ظاهرها فيه الرحمة وباطنها من قبلها العذاب ، ألا وهي النظر بالقلب إلى من فوقنا من الناحية المادية ، أو يفضلنا في جانب من جوانب الحياة الدنيا ، من مال أو جاه أو سمعة أو شهرة أو مسكن أو سيارة أو ملبس أو حلي وما إلى ذلك ..
فربما سالت أودية من لعاب الفقير المسكين الذي يرى أمامه غنيا واسع الثراء يتقلب في نعمة المال ، ينفق الأموال الطائلة وكأنها قطع من لعبة الورق ، وربما احتمل السيل زبدا رابيا من الهموم والغموم والتحسر والتلهف والتطلع لما في يد ذلكم الغني ...
وربما اغتر المغمور بشهرة زيد وصيته الذي انتشر في أوساط الناس ، أو بهره جاه عمرو أو منصبه العالي الرفيع أو وظيفته المرموقة ، فظل ينظر وينظر والقلب يضرب أخماسا في أسداس ، ويجمع أثمانا إلى أتساع ، ويطرح ويقسم والقلب يحصد نتيجة الحساب جبال هموم وأحزان ..
وقد تنبهر الفتاة قليلة ذات اليد بما تملكه جارتها من ملبس فاخر أو حلي باهظ الثمن ، أو ما حباها الله الأخيرة من جمال فاتن وحسن جذاب ، فتلطم خدها ، وتضرب وجهها ، وكأنه صنع نفسه ، وكل خلق الله حسن لو أدركت وأدركنا ..
ولكن بم يرجع الدلو الذي أنزل في هذه الآبار يا ترى ؟
ما العائد وما الطائل من وراء كل هذا التفكير العميق في مال خالد وإن كان يساوى ألاف الأضعاف مما نملك ؟ أو جاه علي الذي بلغت شهرته الآلاف ؟ أو جمال فاطمة التي توجت ملكة جمال  ؟؟!!!
العائد بكل أمانة وبمراجعة الحسابات بدقة أن يظل الإنسان يرفع رقبته إلى الأعلى ينظر إلى من فوقه في المتاع الزائل ، ثم يرفعها ، ثم يرفعها إلى أن تنكسر الرقبة المسكينة ، وتتعثر خطى الرجل الحائرة ، وربما سقطت الجثة على قفاها ...
نعم ..
فالقلب الذي يشتغل بالنظر إلى مال زيد وجاه عمرو ، ويسيل لعابه لما فاقه به عمر من المتاع الزائل الفاني إنما يظل يعيش في أوهام وأحلام وأمان فارغة ، ويعاني هموما ويكابد أحزانا ، ولا يجني صاحبه إلا حرق الأعصاب ، وبواعث الحسد ، واشتغال عما خلق من أجله من الإعداد للدار الآخرة والتزود للمعاد ..
لذلك نهانا المولى – عز وجل – عن النظر إلى من فوقنا في أمر الدنيا ، فقال : " ولا تمدن عينيك على ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى " ، فالخطاب هنا لي ولك وإن كان ظاهره للمصطفى – صلى الله عليه وسلم - ...
ووجه رقاب قلوبنا إن كانت ترغب أن تنظر إلى الأعلى حيث العلو الحقيقي ، فقال : " وفي ذلك فليتنافس المتنافسون "
فالآخرة هي ميدان التنافس أخي العزيز ن فمن سبقك في الدنيا فاسبقه في الدين ، ومن حاز العاجل فنافسه في الآجل ، واعلم أن عاجله إنما هو حسرة عليه إن لم يقدمه لآخرته ، ويرضي به ربه ..
فأزح عن كاهل قلبك هم النظر إلى ما فضل الله به بعضهم من المتاع الزائل ليتخذ بعضهم بعضا سخريا
وتدرع بالقناعة ، والبس ملابس الرضا بما قسم الله وما قدر ففي ما يقدر الله كل خير ، تجد على قلبك بردا وسلاما وطمأنينة ، ورحمت ربك خير مما يجمعون ..

محمد بن سعيد المسقري
Mq99@hotmail.com



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق