السبت، 26 مارس 2011

لا تغضب

هكذا أطلقها محمد – صلوات ربي وسلامه عليه - موصيا أحد أصحابه جاء طالبا من النبي الكريم الوصية والنصح ، وكررها له ثلاث مرات متتابعة ..
ولم يكن – عليه الصلاة والسلام – وهو المربي الحكيم والنبي المرسل المؤيد بوحي السماء  ليختصر وصيته للرجل في هذه الجملة لولا أنها جماع وصايا كثيرة ، وفيها غنى عن نصائح مطولة ..
وما الغضب إلا جمرة متقدة تشتعل في قلب صاحبها اشتعالا ، تغير صورته وشكله ، وتوقد الحمرة في وجهه ، وتفتح عينيه فاغرتين ، وتربك تصرفه أيما إرباك ، فيبدأ – إن لم يسيطر على غضبه – في التلفظ بأقوال ، وفعل أفعال قد يقطع أصابعه عليها بعد فتور الغضب ندما وغيظا ، ويتمنى لو يستقبل من أمره ما استدبر ، ولكن هيهات ، فالكلمة ما دمت لم تتلفظ بها أنت ملكها وفي يدك قيدها ومقودها ، فإذا تلفظت بها ملكتك ، وحللت رباطها ، فليس لك التحكم فيما تحدثه من جروح وخدوش ترجع عليك بالدرجة الأولى ...
وإن للغضب قوة رهيبة ، تحتاج إلى مكابرة ومجالدة ، للتخلص منها ودفعها ، وليس التحكم في الغضب من الأمور السهلة اليسيرة سيما لمن لم يعتد على ذلك ، حيث أن النفس تأبى أن ترضخ وتنقاد بسهولة سيما إذا استثيرت حفيظتها ، وسخن ماءها ، وطعنت في شيء مما تعزه وتقدره ..
لذلك كان ملك الغضب دليل رجولة ، وعلامة شهامة ، والاندفاع وراء الغضب وما تطلبه النفس من الانتقام والتشفي والأقوال والأفعال غير المسؤولة ، جبن وضعف وخور ، وسوء تدبير لمصلحة النفس وما فيه خيرها ونجاحها ..
قال – صلى الله عليه وسلم - : " ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب " ..
أجل .. تلك هي القوة ، وذاك عنوان بطولة ورجولة وشهامة ...
أخي الكريم ..
عندما تجد أعصابك بدأت تتحرق من كلمة قالها لك فلان أو علان ، أو تصرف بسيط قام به طفلك أو صغير من أقاربك وأهلك ، أو محاولة استثارة من زيد أو عمرو ، وبدأ غضبك يشتعل في تسارع ,ناره تتقد متلهفة جائعة ، فاعلم أنها إنما تريد أن تأكل قلبك وراحتك ، وأن الأمر يحتاج إلى علاج عاجل ، ودواء ناجح يزيح عن القلب المسكين هذا الاندفاع الغريب من هذا الوحش الكاسر ، وإلا قضى على راحته ، ثم يقضي بعدها على كثير من المصالح ، ولربما تفوهت لسانك بكلام أو بطشت يدك بأمور أنت في أتم الغنى عنها ، لا تستطيع تداركها ، وليس بيدك إرجاعها ، أو لم ما جرحته وخدشته ..
واعلم أن العلاج يكمن في دراسة الأسباب التي تجعلك تتحرق غضبا وغيضا ، فإن كانت منكرات بيدك تغييرها ، فقم بتغييرها بالحكمة والموعظة الحسنة ، وإن كان تغييرها ليس بيدك ، فابحث لها عن علاج طويل الأمد ، بدل حرق الأعصاب ثم الفتور والتقاعس ، فيذهب الجهد هباء ، والغضب هدرا ..
وإن كان ما يغضبك مجرد لفظة انتقاد أو استهزاء أو همز أو لمز أو تحرش أو استثارة من فارغ لاه لا هم له ، ولا همة ، أو حاقد لا يرعى إلا ولا ذمة ، أو حاسد عظمت في قلبه خبيث الملمة ، فاعلم أن الغضب لذلك إنما هو مجرد هدر طاقات وطاقات أنت في أمس الحاجة إليها في مصالحك الدينية والدنيوية ، فعلام متنح هؤلاء طاقاتك ، وتهبهم جهودك ؟ وعلام تفرحهم بحرق اعصابك ؟ وهل بلغت معزتهم ومكانتهم لديك أن تمنحهم ما يشتهون ويتمنون من غيظك وغضبك ؟؟!!!
إن دراسة أسباب الغضب يقضي على الكثير من حالاته ، فالعقيدة هي المحرك الأول للسلوك ، وما انفعالنا وغضبنا إلا ناتج عن عقيدة خاطئة بأن الأمر يحتاج إلى كل هذه النيران المشتعلة من الغضب ، واعتقادنا أن الغضب وحده يغير الأمور ، ويدفع الشرور ، والأمر على العكس تماما ، فالغضب يفقدك توازنك ، واتزان تصرفاتك ، لتعالج الخطأ بأخطاء ربما تكون أفظع منه ، وأشد خطرا وأعظم شررا .
وبعد معرفة الأسباب وتغيير الاعتقادات الخاطئة علينا أن نتبع وصايا النبي الكريم – صلى الله عليه وسلم – حالة الغضب ، فقد أمرنا عند الغضب ، بعد إذ نهانا عن الغضب وحرق الأعصاب – أن نستعيذ بالله من الشيطان الرجيم ، أو نتوظأ ، وإن كنا وقوفا نجلس أو جلوسا نضطجع ..
فالذكر خير ما يطمئن النفس ، والماء خير ما يبعث البرودة والخفة ، وتغيير حالة الإنسان يعطيه مهلة لمراجعة نفسه ، كما يهدئ من ثوران أعصابه ، فسبحان الله ..
أخي قارئ السطور
لو توقفنا عند كل كلمة وهمزة ولمزة ، واستهزاء واستثارة لنصب عليها جام غضبنا ، ونضرم من أجلها في أعصابنا نارا ، وفي أفئدتنا براكين غضب ، لأتعبنا أنفسنا وأجهدنا طاقاتنا ، وأفرحنا أعداءنا وكائدينا ، وكنا نحن الخاتسرين في الوقت الذي نربح فيه معادينا ، ولا ربح في ظل المعصية ..
فإن كنت تنشد الحياة السعيدة ، فلا تغضب لا تغضب لا تغضب ، وطنش تعش منتعشا ..

محمد بن سعيد المسقري
Mq99@hotmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق