السبت، 26 مارس 2011

المستقبل في علم الملك الديان

إن استشراف الأحداث ومحاولة قراءة المستقبل ، وما تحمله الأيام بين ثناياها وطياتها ، من الأمور التي تتطلع لها النفس البشرية ، وتشرأب لها أعناق بني آدم ، ويتمنى الإنسان دوما لو يغوص في أعماق المستقبل ، ويقفز أسوار الحاضر ، ويتسلق جدر الأيام ليطل بعنقه المتطاول ، وعينيه الحالمتين الطامعتين ، لما يخبئه الزمن القادم من أحداث ...
وليته يدري ..
أنه لو علم الغيب ، لتنكد حاضره بما يرى في سحب الزمن القادم من هموم ومصائب وأحزان وأتراح ومصاعب ، ولتعطلت أعماله وآماله بما قد يرى من خراب الثمرة أو عدم اكتمال الأمل والهدف ، ولضاعت كثير من العلاقات وتمادى كثيرون في السوء وأمكنوا أرجلهم في وحل المعاصي ومستقذر الذنوب ، بمعرفة الآجال والأعمار ، وبعبارة موجزة لو علم الإنسان الغيب لأفسد بما يستطيع السموات والأرض ..
لذلك ولغير ذلك تفرد ربنا جل شأنه بعلم ما سيكون ، وخص نفسه بمعرفة الغيب وما تحمل رحم الأيام من أحداث ووقائع مستقبلية لا يدرك من كنهها ابن آدم أو غيره شيئا ..
" قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله "
ففي ذلك من رحمة الرحيم الكريم ما فيه ، ولكنكم تستعجلون ..
أخي الكريم ..
لنا نصيب من المستقبل وهبنا إياه ربنا ، وتفضل به علينا ..
إنه التخطيط الجاد المثمر للأيام القادمة ، وحسن الاستفادة من وقائع الماضي والحاضر ، فلا يعني  غياب علم الأيام القادمة ، أن نهجم عليها طليقي الأيدي ، نتخبط في سويداء الظلام ، وحالك لياليه تخبط الأعمى ، بل علينا أن نتصور المستقبل وفق الأحداث الدائرة ووفق ما سارت عليه الأمور في منصرم أيامنا ، وما سبقنا من أيام ، فإن الأحداث حلقات متصل بعضها ببعض ، والزمن ما هو إلا سلسلة تتكون من مجموعة الحلقات المتتابعة المتعانقة ، فنضع في أذهاننا صورة مقربة للمستقبل ونحن متيقنون أن الغيب في علم الله ، تلك الصورة تجعل للتخطيط الناجح مكانا ، ومعنى ، وللعمل الجاد المثمر موقعا ومغزى ..
أليس ذلك خيرا من أن نترك التخطيط والتدبير وحسن صياغة الآمال بحجة أن الغيب لله وأننا لا نعرف ما سيدور في المستقبل ؟!!
أليس ذلك خيرا من أن نجد أعداءنا ومنافسينا قد تعدونا بخطوات ومراحل في المضمار ، ونحن ما زلنا في بداية المشوار قابعين في صدفة اعتقادات شرعها ربنا لنحسن توظيفها والاستفادة منها ؟!!
إن من لا يخطط لدربه ستخطط له من قبل غيره ، وإن من لا يحاول رسم مستقبله بيديه – مع وكل الأمور إلى خالقها – سيرسم له مستقبله بفرشاة ربما لا تعرف سوى اللون الأحمر أو الأسود ، لتخرج لوحة معتمة اصطبغت بلون الدم ، وربما رميت له في أظلم بقعة ليذهب لالتقاطها في ذل وخوف ..
وما ضيع أمتنا إلا أنها لا تستفيد من الأحداث ، ولا تحاول قراءة ما يدور حولها ، ولا تحاول أن تتوقع ما ينسج من خيوط المستقبل ، فتترك التخطيط والتدبير ، وكأنها ريشة في مهب الريح لا حول لها ولا قوة ، وكم سلط الله عليها يوم كان هذا حالها من دبر لها أمورها وساس لها دربها بأمر من الله ، وبتقدير ممن جعل الحصاد لمن زرع والنجاح لمكن أتقن العمل والمستقبل لمن أحسن الاستعداد ، وكم كان ذلك التدبير صفعة قاصمة في ظهرها ..
وستقول حينها : هذا قضاء الله ..
نعم هو قضاء الله الذي قدر للعاجز المتواني نصيبه من الذل والخيبة !!
أخي الكريم ..
اجعل لمستقبلك مساحة بسيطة من حاضرك تحسن فيها التخطيط له ، وتحاول فيها جاهدا الاستفادة من المعطيات الموجودة أمامك حاضرا أو الأحداث المنصرمة ماضيا ..
بشرط أن لا تتوسع تلك المساحة ، وتعطيها أكبر من حجمها ، فتبني قصورا من الآمال والأماني الفارغة الباطلة التي لا تستند على أي من المعطيات المتاحة ، أو تقضي دقائق حاضرك العاجلة في أحلام اليقظة ، والتلذذ بملذات نتسلى بها مستقبلا ..
عندما أتزوج سيكون لي كذا وكذا وسأفعل كذا وكذا ..
عندما أبني بيتا فما أحلى الجلوس على شرفته وفعل كذا ..
عندما أصل إلى رتبة كذا أو منصب كذا فما أجمل أن يحصل كذا أو يأتيتي كذا ..
وتظل ( عندما ) تلاحقنا أينما ذهبنا وحيثما جلسنا ، فنجد أن الأيام تطوينا دون أن نصل لشيء ..
هذه الأحلام الفارغة التي لا تبنى على أصل ، ولا يشيد بناءها على أساس إنما يتسلى بها من لا زاد له حاضرا ولا مستقبلا ، وهي زاد الكسول المتواني العاجز المتقاعس الذي يؤثر الراحة ، ويحس بشيء من فقدان الذات في ضياعه وخراب أيامه ، فيظن أن أحلامه هي من سيبني له المستقبل ..
فلا يجني إلا قلقا ، ولا يقطف إلا ثمرات الخوف والشرود الذهني ، واستهلاك الفكر فيما لا طائل من وراءه ..
فاعلم أخي الكريم أن جسر الأماني الذي يبنى من فراغ ، إنما يحمل آمال فارغة أيضا ، وسيلد مستقبلا شخصا فارغا ، أما التخطيط الجاد وفق دراسة الأحداث المستبصرة ستخرج للمجتمع مدبرا حكيما يصنع المستقبل له ولمجتمعه بقدرة الله القدير ، فإن المؤمن القوي هو قضاء الله الغالب وقضاءه الذي لا يرد ..
فلنكن الثاني ..

محمد بن سعيد المسقري
Mq99@hotmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق