الثلاثاء، 22 مارس 2011

اتخذ القرار الشجاع

شاب عليه سيما الصلاح والاستقامة ،  يرتشف عقله الأفكار السامة فكرة بعد فكرة ، ويرق لها قلبه المسكين ، فيحتضنها واحدة تلو الأخرى ، فيضيع فكره ويسقم تدريجيا ، وتنحل شخصيته المستقيمة من الداخل انحلالا بطيئا ، وقد تستمر عملية المخاض هذه بضع سنوات ، وكل هذه الفترة ، ومظاهر الاستقامة بادية على صاحبنا ، غير أنه خرب من الداخل ، وصار أشبه ما يكون بنخلة أصيبت بداء أكل كل ما بداخلها ، وتركها جذعا واقفا يعطي شكل نخلة حية مستقيمة صحيحة من الخارج ، وهي مجوفة تجويفا كاملا ، لو اتكأ عليها طفل لسقطت من علياءها الشامخ !!
قد ينغمس في معاص غير ظاهرة ، ويبحث عن ملذات سرية من هنا وهناك ، إلى أن يضيق ذرعا بمظهر الاستقامة ، ونعت الناس له بـ " المطوع " أو " المتدين " ، فيجد نفسه مضطرا لمواجهة المجتمع ليلقي عن كاهله آخر حلل الاستقامة ، فيعد نفسه لكشف القناع ، ويقرر اتخاذ القرار ، ويرى نفسه حينها في قمة الشجاعة ..
وصبي يدخن أو يشرب الخمر سرا ، ويتوارى عن أنظار والديه والمجتمع ، ثم يراهق ويشب ، ويبلغ مبلغ ( الرجال ) ، ويرى من نفسه الكفاءة لمواجهة المحيطين به بهذا الأمر ، وإزاحة الستار عن الوجه المظلم من حياته ، فيتناول حبة سيجارة أمام والده الكهل الذي ابيض حاجباه على تربيته ، ومحاولة تأديبه ، أو أمام أعين بعض كبار رجالات المجتمع الذي ينتظر منه وأمثاله البناء والتعمير ، فيقرر حين يقرر المواجهة  وهو يرى أنه من أشجع الناس في قراره ..
وفتاة عاشت في أسرة محافظة والتزمت الحجاب ، ثم غزتها أفكار العلمانية في قعر قلبها وعقلها ، فتشربت ما شاء الله أن تتشرب من السم الزعاف ،  ولكن ظلت بظاهر الحشمة ، حتى خطبها من أقامت معه علاقة سرية ، ممن اسودت قلوبهم ،فأصرت على الزواج منه ، ولو بحكم القاضي ، فنزعت الحجاب ، وتخال نفسها يوم نزعه أنها نزعت الجبن وتحدت الخوف ، واتخذت القرار الشجاع ..
وطالب يتهرب من المدرسة تدريجيا ، ويهبط في دراسته ببطء ، ويجد رفقاء السوء قلبه مكانا فارغا لبناء عش لأفكار الإهمال والكسل والخمول ، فيغرزوا فيه خناجر الأفكار السيئة خنجرا خنجرا ، حتى يميتوا القلب ، ثم يضيق ذرعا بمحاولة التوفيق بين الأمرين ، فأسرته تحثه وتشجعه على طلب العلم والجد فيه ، والرفقاء يأزونه أزا نحو التسيب ، وعندما يصل الثانوية – إن وصلها – يقرر القرار ( الشجاع ) ، فيخرج من المدرسة نهائيا ، ويغلق أذنيه عن كل ناصح من أسرته ومن يريدون له الخير ..
وشاب متزوج يقيم علاقات مع هذه وتلك ، فيزين له الشيطان الحرام ، ويبغضه في الحلال ، ثم يقرر القرار ( الشجاع ) أن يطلق زوجته التي عاشت تخدمه وتكن له كامل المودة سنوات وسنوات ، ولو درى صاحبنا فإنه ما طلق زوجته حتى طلقته الإنسانية والمروءة والرجولة ..
وآخر يهرم أحد والديه اللذين سهرا على تربيته ، وهو في أتم عافية وصحة وفراغ ، فيخدمه بضعة أيام على مضض وتضجر ، ثم يقرر القرار ( الشجاع ) ليلقي والده أو والدته في إحدى دور العجزة  !!
وعم لديه ابنت أخت يتيمة ، لم تزل نظرات أبيها الأخيرة ماثلة أمام ناظري العم الكريم ، مستعطفا إياه أن يحسن إلى ابنته الوحيدة ، يضيق بتربيتها ذرعا رغم ما حباه الله من ثراء وغنى ، فيرمي بها إلى زوج فاسق فاسد ، بلغ من الكبر عتيا ، وشاخ في فسقه وفجوره ، وهي في الثامنة أو العاشرة من عمرها ..
ويظن عمها حين عقد قرانها أنه صاحب أشجع قرار ..
هؤلاء يعيشون في سراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ..
يظنون أنفسهم في قمة الشجاعة ، وهم جبناء بجميع ما تحمل الكلمة من معنى ، جبناء لأنهم اتخذو الطريق الخطأ ، وجبناء لأنهم استمروا فيه ، وجبناء لأنهم لم يستتروا بستر الله ويتوبوا ، وجبناء لجريمة العقوق للأسرة والمجتمع والأمة ..
والغريب أنهم يعرفون أنهم جبناء في قرارة نفوسهم غير أنهم يغالبون الضمير وما بقي من لوم النفس ، ورواسب الإيمان ، ويتظاهرون بالشجاعة والإقدام ..
أخي الكريم ..
ليس كل من يتخذ قرارا ، ويتحمس له ، ويبدأ في تنفيذه فورا دون تردد شجاعا ..
إنما الشجاع من اتخذ القرار الصائب ، ولو خالفه الآلاف ، ثم سلك دربه ، ولو عارضه كل من حوله ..
الشجاع من يسلك درب السعادة والنجاة ، وإن خيل لغيره بادئ ذي بدء أنها درب تخلف وتقهقر ،فسيثبت للجميع بعد حين بصموده الشجاع أيضا على الدرب السوي أن قراره هو الصائب ، وأن مثله من يستحق لفظ شجاع ...
ولعمري إن لم تكن الشجاعة في سلوك درب السعادة ، فكيف أرضى إطلاق لفظها المجيد على المتردية في مهاوي الهوى ، والنطيحة بقرون التخبط ، وما نهشت مخالب سباع رفقاء السوء ؟؟!!!
إن القرار الشجاع – أخي العزيز – أن يسلك شاب درب الاستقامة والصلاح ، ولو كانت أسرته يضرب بها المثل في البعد عن الدين وحياضه ، وإن وجد ما وجد في بداية طريقه من العنت والمشقة في معارضة الأهل والأسرة والمحيطين ..
القرار الشجاع تحمله الفتاة التي عاشت في مجتمع قل فيه الحجاب ، وندرت فيه الاستقامة في الدين ، واجترفت رياح التبرج والانحلال جما غفيرا من فتياته ، غير أنها تصر على التمسك بحجابها وعفتها ودينها أمام الجميع ، سخر من سخر ، وهمس ولمز وتغامز من بدا له ذلك ...
إن دربا رسمه المولى – عز وجل – واختاره لنا طريقا ، قرار سلوكه يعتبر أشجع قرار على وجه الأرض ، فهو العليم بما يصلح نفوسنا ، وما فيه الخير والسعادة لنا في الدنيا والآخرة ، وإن من يتخذ هذا القرار فما في المعمورة أشجع منه ، إلا من زاد عليه في زاد الطريق ..
فإن كنت تنشد السعادة حقا – أخي – فكن شجاعا في اتخاذ هذا القرار الصائب 100% ، ولا تلتفت إلى إرجاف المرجفين ، ولا لمز اللامزين ، ولا تحبيط المتخاذلين ، ولا تيئيس القانطين ، ولا سخرية الساخرين ، ولا تحفل بهمس أو غمز أو نقد هدام ، فكل هؤلاء جبناء مهما تدرعوا بمظاهر الشجاعة ، جبناء في أعماق قلوبهم ، بعضهم يغلي حسدا ، وبعضهم يشتعل غيضا ، وأنت الشامخ في علياءك ..
هنا ميدان البطولة ، فادخل الحلبة بقلب واثق من ربه ..

محمد بن سعيد المسقري
Mq99@hotmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق