الأحد، 22 أبريل 2012

ما سر هذه المحبة ؟ 2

هل ما زلتم تتذكرون قصة الأمس ، حين تحدثنا عن ذلك الرجل الذي عايشناه في المدرسة الثانوية ، وعايشنا معه غياب الطاقة ( الفوضوية ) ، وانحسار حركات ( الشلة ) التي تقلب الفصل عادة رأسا على عقب ؟
كنا قد وعدنا أن نبين سر محبة الطلاب لهذا المعلم ، وهو الشخص الهادئ الوديع !!
ولكن أنظروني لحظة ، فللخبر بقية ..
بين المعلمين في قاعتهم ، أو بين أرجاء الحافلة التي تقلهم – وحسبما أبلغني بعض الثقاة من المعلمين – تجد الاحترام الغريب العجيب لهذا المعلم ، فرأيه قد يزن عند بعضهم جبلا ، وكلامه على العين والرأس ، يستنصحه المعلمون ويستشيرونه في كثير من شؤونهم ..
فسبحان الله !
ليس الرجل (بروفيسورا ) تجعل شهادته عند البعض رخصة لقياد حياة الناس  ، وليس فيلسوفا تعينه فلسفته  على ( التنظير ) والتشدق !
فما حداهم لاحترامه وما سر محبته ؟؟!!
إليك الجواب كما وعدنا - والله أعلم - :
هذا الرجل نحسبه مخلصا لله – ولا نزكي على الله أحدا - ، يحفظ القرآن عن ظهر قلب ، وما أكثر الحفاظ – ولكن هذا على ما يبدو قد جعل القرآن سراجه الذي يستضيء به في حياته ، فحسبما عرفت عنه أن جلساته قرآنية ، لا يشارك في اللغو والغيبة وكلام السوء وهمز ولمز الآخرين ، ولا تجذبه الاهتمامات التافهة ، وباختصار يحاول أن يكون قرآني النزعة والسيرة ، يرى الدنيا بأسرها بمنظار الكتاب العزيز ، كما وصفها ربها لهو ولعب ، فكل اهتمامه أن يقدم صالحا ، فإن سمع لغوا أعرض عنه ، ونصح وبين ، وإن سمع خيرا ممن حوله حاول الاستفادة منه ، وشارك فيه بما يعرف ، لا يلتفت للمظاهر ، ولا يقدس الأشكال ، ولا تجذبه الأضواء كما تجذب الفراشات المستميتة  ..
فعلى ما يبدو أن الرجل قد نقى سريرته وعلانيته من الانكباب على الدنيا ، وترفع عن السفاسف ، وحاول أن يكون مؤمنا بالله حقا ، فجاءته هدية وبشرى زفها القرآن لكل من اتصف بالصفة التي قيدت بها  " إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا " ، وليس كل إيمان يجلب كل هذا القبول والمحبة ، إنما هو إيمان من نوع خاص ، يجعل صاحبه يعيش بين الناس محبوبا ، وفي أوساطهم مقبولا ، تنجذب إليه القلوب بعفوية ، وتلقائية غير واعية ، وكأن هؤلاء الأشخاص يهبون الناس ماء الحياة أو أسرار السعادة ، وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى ..
هذا النوع من الإيمان موجود في المجتمع ، ليس بكثرة طاغية ، ولا قلة نادرة ، إنما هم صنف من الذين ظاهرهم الصلاح ، فليس كل من أبدى صلاحا صالحا ، وليس كل من لبس ثوب الاستقامة ظاهرا يتنسم عبق نسائمها الطيبة ..
فإن وعدني القارئ الكريم أن يبقى معي ، سنحاول في الحلقة القادمة  أن نضع مقارنة بسيطة  بين الذين يأسرون قلوب الناس ، ويكتسبون محبتهم دون أن يكون لهم يد واضحة على الناس غير يد الإيمان والأخلاق الحسنة ، وبين آخرين ظاهرهم الصلاح ولكن ربك أعلم بالباطن !!
كونوا معنا ..

محمد بن سعيد المسقري
Mq99@hotmail.com


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق