الأحد، 22 أبريل 2012

ما سر هذه المحبة ؟ (3)

تحس أحيانا أنه سلطان في مملكة ، أو زعيم في قبيلة ذات كثرة كاثرة ، ويبدو لك أحيانا أخرى أنه ثري فارط الثراء ، ينثر الأموال  على الجميع كل صباح كما ينثر المزارع الحب في حقله ، وقد تشتبه أحيانا أنه يملك كتيبة حرس ضخمة ، أو جهاز مخابرات واسع العدة والعدد والخبرة مما ترى من هيبة الناس وتقديرهم له وحبهم له ..
يذكره المتدين وغيره والبر والفاجر والكبير والصغير بعبارات احترام وتنزيه ، حتى يكادوا أن يرفعوه فوق مستوى النقص البشري ، وإن ظهرت منه زلة جلبت لها الأعذار ولو من واد سحيق لا يمكن تركيبها على الحادثة ..
يحب الجميع أن يبادله الزيارة ، بل يجد كثير منهم الشرف في ذلك ..
إن دخل تجمعا في مجلس لفرح أو ترح حرص ذوو الشأن أن يجعلوه في صدر المجلس ، وأن يقدموه على غيره ..
ليس هذا من نسج الخيال أو من تخبيطات الكتاب ، وتشدقات الأقلام ، إنما هو فعلا عايشته بنفسي مع الرجل ، ورأيت أكثر من ذلك بكثير ، وكنت دائما أستغرب ما أرى وأتعجب !!
فحقيقة الرجل ماديا هو دون المتوسط ، ولا يملك وظيفة ولا منصبا كبيرا ، وليس زعيما لقبيلة أو عالما كبيرا ، ولكن لا بد أن هناك شيئا آخر ، شيئا ما يجذب الناس لرفع أقوام وتبوءهم  منزلة خاصة في قلوبهم ، ويحبونهم حبا من أعماق قلوبهم ..
إنه الإيمان الحقيقي الذي يتدرع بالورع ويمتزج بالإخلاص ، ويتحلى بالأخلاق الطيبة النبيلة ،
وينأى بنفسه عن الركون للدنيا وحطامها ..
باختصار هو نوع من الإيمان يميزه الصفاء القلبي الصادق ، والزهد الحقيقي في الدنيا ، وهذا الإيمان هو الذي يجلب محبة الله ، والأخيره تجلب قبول الناس تلقائيا ..
قال – صلى الله عليه وسلم - : " إن الله إذا أحب عبدا قال : يا جبريل إني أحببت عبدي فلانا فأحبه ، فيحبه جبريل ، ثم ينادى في السماء : إن الله قد أحب فلانا فأحبوه ، فيجبه أهل السماء ، ثم يوضع له القبول في الأرض ..
إن قلوب الناس لا تشترى بالتسلط والتجبر والتعالي عليهم ، ولا يغرها حقيقة  إيمان ( المتشبهين ) ، الذين يتخذون الدين تجارة ، قلوبهم للدنيا ساجدة ومظاهرهم بالصلاح مصطبغة ، يلتحفون لحاف الرياء الشفاف ..
قد يجامل الناس بعض المنفقين من الذين يتصنعون الاستقامة ، ولكنهم لا يكنون لهم الحب الحقيقي الصادق ، ويدركون بطريقة أو بأخرى أن بتدين هؤلاء خللا ما ، وإن لم يعرفوه فإني أنبئهم به إنه عدم الصدق مع الله  ، ولو صدقوا مع الله لصدق حب الناس لهم ..
وقد يجامل الناس صاحب الثراء أو صاحب وظيفة معينة هم في حاجة إليه ، ولكنهم لا يعطون حبهم الحقيقي إلا لذوي الأخلاق الرفيعة ، والسجايا النبيلة ، الذين أخلصوا أعمالهم لله وحده ، ولم يبتغوا بما يقدموا للناس جزاء ولا شكورا ، ليس همهم المصلحة الشخصية ، فقد
  صفى الله سرائرهم من التفاهات والاهتمام بها ، فهم يرون الدنيا بأسرها بمنظار القرآن ..
وإلا فقد رأينا الكثير ممن يعبدون الناس حق العبادة ، ويحاولون جاهدين أن يتصنعوا أخلاقا كريمة ، وشيما طيبة ، يهرعون لكل عزاء ليكونوا في مقدمته ، وفي كل فرح ليكونوا أول المحتضنين لصاحب الفرح المهنئين له ، ولكن قلما من تجد من يتحدث عنهم بخير ، بل تجد التشكيك في أفعالهم وأقوالهم ونواياهم خاصة ، وكأن الناس دخلت قلوب هؤلاء فوجدوا عفنا منفرا ، لا يمكنهم استساغته وتقبله ، وصدق الشاعر حين قال :
ثوب الرياء يشف عما تحته *** فإذا التحفت به فإنك عاري

فلنتق الله تعالى حق التقوى يجعل الله لنا القبول في الأرض ، ويكفينا شر الناس ، كما قال – صلى الله عليه وسلم - : " من اتقى الله كفاه الله مؤونة الناس ، ومن اتقى الناس ولم يتق الله سلط الله عليه الناس وخذله " ..

محمد بن سعيد المسقري
Almasqri1@hotmail.com


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق