الأحد، 22 أبريل 2012

الإيمان مورد الأمان (2)


ذكرنا في الحلقة الماضية أن عليك أن تدفع قسطين حتى تتسلم مفاتيح غرفة الأمن ، وتدخل عالم الأمان ..
القسط الأول الإيمان والثاني أن لا تلبس إيمانك بالظلم ..
فالظلم ظلمات كما تعلم ، فكيف تبحث عن أمان بين ظلمات ؟!!
ألا ترى الصبي أول خوفه أن يخاف من الظلام ؟ لماذا ؟ لأنه لا يبصر ما فيه وما بداخله ..
وكذا الظالم – حاشاك – حين يدخل في الظلم ، فقد دخل في عالم ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد  يراها ، لذلك يكون بينه وبين الأمان هوة سحيقة حتى يترك الظلم ويعود فعليا إلى رحاب الإيمان الصادق غير المشوب ..
وهذا يشمل – بطبيعة الحال – ظلم النفس وظلم الغير ، وهو في ظلم الآخرين أبين وأوضح ، وأشد وأفظع ..
فالذي يظلم نفسه بالمعاصي إنما يجفو الأمان قلبه لأنه ابتعد به عن رب الأمن ومالك الأمان ، وهذه الجفوة بين قلب العبد وربه هي التي تشعره بالوحشة وقلة الأنس ، أما الذي يظلم الآخرين فإنه يضيف إلى جريمة ظلم النفس جريمة التعدي على الآخرين ..
فقلبه يتلجلج من عاقبة الظلم ، ومغبة فعلته التي فعلها ، يخشى سهام المظلومين أن تصيب ، ويخاف مما تخبئه له الأيام جزاء على ظلمه وتعديه ، لذلك فإن قلب الظالم تتناوشه مخاوف عدة من كل حدب وصوب ، فلا يشعر بالاستقرار الفعلي أبدا ..
إن مظلوما واحدا يدعو عليك في جنح الليل أو يترقب بك أن تحيق بك دائرة السوء ، ويتربص أن تتناوشك سهام الدهر ، كفيل بان يقض مضجعك ، ويحيل أمانك إلى ركاما من ظلمات المخاوف ..
فكيف يسعد عيشا أو يهنأ نوما من يحمل في رقبته مظالم ومظالم قد يكون نسيها ولكن المظلومين لن ينسوها ، وبلا شك ربهم الذي أبى أن يجعل بين دعاءهم وبينه حجاب لن ينساها ..
فكم من أشكال الظلم وصوره تحدث في حياتنا اليومية ، وكأن الظلمة وهم يقترفونها يشربون ماء زلالا ، فكم من ولد ظلم أباه بعقوقه وعصيانه وتجبره عليه ن وكم والد ظلم ابناءه بالتقتير عليهم ، وعدم الالتفات لهم ، وقلة الاكتراث بتربيتهم ، وضعف العناية بمتطلبات حياتهم ،وقلة النظر إلى مشاكلهم ..
وكم من مسؤول ظلم موظفيه بعدم التسوية بينهم في المعاملة والأعطيات والهبات ..
وكم ملئت المحاكم من شكاوى الذين تجرعوا غصصا من ظلم الأقارب والجيران  قبل الأباعد ، و( الأحبة ) قبل الخصوم ..
وكم استغل الظلمة سذاجة بعض الناس أو قلة خبرتهم أو ضعفهم وقلة حيلتهم ، وضعف ناصرهم ، فأوقعوا عليهم من الظلم الذي تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأ{ض وتخر الجبال هدا ..
كم من فتاة زوجت ظلما بطاعن في السن قد بلغ من العمر عتيا ، طمعا في ماله ، لأن أباها الظالم إنما تصورها آلة حرث يتكسب من وراءها ..
وكم من أنثى هضمت حقها من ميراث أبيها أو قريبا استغلالا لضعفها وقلة حيلتها ..
وكم وكم ، ولو حاولنا حصر صور الظلم في المجتمع لاحتجنا إلى مجلدات ، فليس هنا بمقام ذلك ، ولكن ذكرنا طرفا لننبه على الباقي ..
فحذار حذار من الظلم فإنه يرمي بك في واد من الوحشة سحيق ..

محمد بن سعيد المسقري

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق