الاثنين، 23 أبريل 2012

صاحب النظارة السوداء

يلمع نظارته السوداء يوميا بشيء من الكحل ( الأصلي ) ليضمن بقاء اللون القاتم فيها ، وعدم وجود أي نقطة لم يطلها السواد ، أو كانت نسبة تركيز اللون الأسود فيها أقل من 75% ، ليبقي ربع النسبة تستطيع من خلالها عينه ( المحترمة ) الرؤية والتأمل ، وإلا أكمل البقية !!!
أخي الكريم ...
لا تذهب بعيدا ، فلست أعني مرتادي النظارات الزجاجية أو البلاستيكية المعروفة ، وما قصدت المتلصصين في وجوه فتيات الناس فلأولئك حلقة أخرى قادمة بإذن الله ,,,
إنما عنيت ذلك الذي ألبس بصيرته تلك النظارة القاتمة ، ينظر بها إلى كافة الناس نظرة حذر وتوجس وقلق ، يدير عينه في الجميع ، وقد رسم لكل منهم صورة في مخيلته أشبه ما تكون بوحش خطير أو سبع ضار .
هو لا يحب سوء الظن ، وإنما واقع الناس وحالهم كذلك ، فكلهم شريرون وحساد وقلوبهم تكاد تنفجر عداوة وحقدا عليه !!!
 كما أن صاحبنا لا يريد التجني والظلم والعداوات ، وإنما يمارس شيئا من حقه ( المشروع ) من الحذر الذي لا بد منه وسط هذه الأجواء المتلبدة بغيوم العداوة ....
إن أسديت إليه جميلا ، فيجب أن يبحث عن ما تتطلع إليه من تحت يديه ( الكريمتين ) من أطماع ، وإن قام شخص بمشروع اجتماعي ، فلا بد من الفحص الشامل و تحري الدقة من سلامة نيته اجتماعيا ، فاحتمال إرادة مصلحة شخصية وارد بنسبة عالية جدا ، وإن تصدق متصدق على فقير فلحاجة في نفسه لا أكثر ...
كلامك معه ذو وجوه يجب – بناء على ما تمليه النظارة – حمله على أسوأها ، فإن مدحته وأثنيت عليه فالتملق أردت ، وإن تحدثت عن فلان بخير فالنفاق طلبت ، وإن أحسنت الظن في فلان فالسذاجة أفضل حمل يمكن أن يحمل عليه كلامك ، وإلا فليس من البعيد أن لعابك يسيل إلى مصلحة من وراء يد ذلك الشخص ...
إذا سألته عن زيادة وفرح فما غرضك إلا الحسد ،وإن استفسرت عن مصيبة أو مرض فما أردت إلا الشماتة ، وإن اعتذرت عن عمل طلبه منك وحالت دون فعله ظروف أو عوائق فديدنك الأنانية ، وتقديم المصلحة الشخصية ، وإن غفلت عن إعلامه بخبر جديد جد في حياتك ، فأنت الشاك في نواياه ، المتعدي في ظنونك وتوقعاتك !!!
يقيم علاقاته على الحذر والتوجس ، فأي فعل يصدر من أصحابه وزملاءه يتجه فكره مباشرة إلى أسوأ الاحتمالات وأخبث الظنون فيه وفي قصده ، ويرى أن الجميع أعداءه ، يخططون ليل نهار للنيل منه والإطاحة به من ( علياءه ) !!!
فيا سبحان الله ....
أنى لراحة وطمأنينة أن تسكن مثل هذا القلب المريض ، بل أي علاقة يمكن أن تستمر وتقوى صلاتها وقد بنيت على أساس من الحذر المبالغ فيه ، ورصت لبناتها بأقبح الظنون وأسوأها ، بل تصبغ  بنقد صارخ مباشر بين الفينة والأخرى ؟؟!!!
أراهن أن أمثال هذا استقى هذه الفكرة السوداء المقيتة للمجتمع من تربية خاطئة غريبة من نوعها ، حيث غرس في قلبه منذ نعومة أظافره أن الناس كلهم له أعداء ، وأن الجميع لا يحب له أي خير ، ولكل فعل يصدر من الكل نية سيئة ، أو قصد مصلحة ذاتية فحسب ، فبئس التربية تلك التي يتسنم نتائجها قبل الآخرين من رباه على تلك الظنون ، وغرس في قلبه تلك الأوهام الفارغة ، التي جعلته في شغل شاغل ، وأبعدته عن المجتمع أيما إبعاد ، فهم يكتبون شقاءه النفسي والاجتماعي بأناملهما ، ويرسمان درب التعب والمشقة له بيدين ربما أرادت الحذر والإشفاق فأخطأته !!
فإلى كل من ابتلي بذلك ....
اخلع نظارتك السوداء ، وانظر بعينين صافيتين ، وأحسن الظن في الناس ففيهم الخير الكثير ، واحمل أفعال من حولك على المحمل الحسن ، من غير سذاجة وغفلة وبلاهة ، فإن الأفاعي موجودة بلا شك ، ولكنها لا تفرض علينا أن نسيء الظن في كل من حولنا ، فنتعب ونتعب غيرنا معنا ، ونعيش معزولين منبوذين بسبب فكرة سوداء عششت في عقولنا ، فباضت وفرخت عنتا ومشقا وإثما وخزيا ....

محمد بن سعيد بن مطر المسقري


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق