الأحد، 22 أبريل 2012

وعسى ان تكرهو شيئا

يحكى أن ملكا له وزير خاص يصاحبه ، ويلازمه حيثما حل ورحل ..
وكان من ديدن هذا الوزير إن أصابه  شيء أو ألم بالملك مكروه أن يقول : عسى أن يكون خيرا ..
وكان الملك أحيانا يتضايق من هذا الكلام ، سيما عندما تكون المصيبة واقعة في رأس الملك ..
وفي يوم من الأيام بينما كان الملك يقطع شيئا بسكين إذ فرطت السكين  إلى أصبعه وقطعتها ، فقال الوزير على الفور : عسى أن يكون خيرا يا مولاي ..
فغضب عليه الملك غضبا شديد هذه المرة ، ورماه في السجن ..
فقال الوزير معلقا : عسى أن يكون خيرا ..
فخرج الملك وحده ، ومعه قلة قليلة من الحرس ، ولم يصطحب معه الوزير كعادته ، وفي الطريق لقيهم قوم أشداء ينتمون إلى قبيلة لها عادة غريبة ، وهي أنهم يخرجون للبحث عن إنسان وسيم أو ذا شكل جذاب أو ملبس فاخر ، فيأخذونه عنوة ، ويقدمونه قربانا لملكهم أو إلههم ..
فعندما قابلوا الملك ، رأوا أنه مطلوبهم ، فأخذوه عنوة ، ولم يستطع حرسه أن يدافعوا عنه ، بل هربوا وتشتتوا ..
وعندما أتوا به إلى الملك وأرادوا ذبحه إذا بأصبعه مقطوعة ، فقال الملك على الفور : هذا لا يصلح للقربان ، فأطلقوا سراحه ..
فعاد يحمد الله على أن أنقذه بأصبعه المقطوعة التي تضايق جدا من قطعها سابقا ..
وعندما وصل أمر فورا بإخراج الوزير من السجن وقص عليه القصص ، وقال له : قد تبين فعلا أن قطع أصبعي فيه خير كثير لي ، ولكن عندما أمرت بحبسك سمعتك تقول : عسى أن يكون خيرا ، فبالله عليك أي خير في الحبس ؟!!
قال الوزير : لو لم تحبسني لأتيت معك ، وربما وقع الاختيار علي ،أو أخذت معك ، وأنا سليم الأطراف ، فلن أطلق حيا كما أطلقت أنت بل سأكون خير قربان !!
قال الملك : صدقت " وعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا " ..
سبحان الله ..
كثيرا ما نتذمر من الأقدار والمصائب والمصاعب ، وقد يلعن بعضنا الدهر ، ويسب الزمان ، ويتسخط ويتبرم عندما يقع له ما تكرهه نفسه ، أو يشق عليه ..
والحقيقة أن كل ما يصيبنا إنما هو من تقدير الله تعالى لنا فيه المنفعة والخير عاجلا أم آجلا ، أظهرت الحكمة أم خفيت ، فقد لا تظهر الحكمة إلا بعد أمد بعيد وقد لا تظهر أو لا نلحظها ..
فكم سمعنا أن فلانا كان يعتزم على سفر مع بعض أصدقاءه ثم خلفوه لظرف أو فاجأه ضيف أو لأي سبب ، فتضايق وتذمر ، فوقع لهم حادث أو أصابهم مكروه ..
وكم من موظف ضيق عليه في وظيفته ، حتى اضطر للخروج من العمل ، فرزقه الله عملا خيرا وأفضل من العمل الأول بكثير ..
وكم من إنسان تضايق من عدم الإنجاب ، ثم يحمد الله أن رأى أولاد أخيه بهم ما بهم من العلل والفسوق ، ولربما كانوا مثلهم ، ولربما كانوا عليه وبالا ، وأعوانا للمتاعب والمصائب عليه ..
وكم وكم من الأحداث والوقائع التي تحدث لنا ، لا نرضى بها – وللأسف الشديد - ، ثم يتبين لنا أن فيها الخير الكثير ..
فلنترك التذمر والتسخط على الأقدار ، ولنعلم أن الخير دوما فيما يختاره الله ولنقل  : عسى أن يكون خيرا ..

محمد بن سعيد المسقري
Almasqri1@hotmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق