الاثنين، 23 أبريل 2012

الفضولي

يدور عينيه هنا وهناك ، وكأنه يبحث عن عزيز مفقود ، أو كلف بمهمة التفتيش عن مجرم خطير اختبأ بين الناس ...
يجول ببصره في فلان متسائلا : مالي أراه اليوم هنا ، هل لديه إجازة ؟ لم يصلي اليوم في هذا المسجد ؟ لم هو مستعجل هكذا ... وقد يتقدم إليه بحزم ويسأله تصريحا أو تعريضا ليستخرج المعلومة الثمينة .....
ثم ينقل عينيه ( الشقيتين ) إلى علان كيلا تفوته رؤية ما يحمل من أغراض أنزلها لتوه من سيارته ، ليقف قبالته مسلما عليه ، مواصلا الفحص والتدقيق في ما حملت يداه ، مستخبرا اللسان عن المكان الذي أتى منه !!!
مشهد آخر يجب أن لا يفوت صاحبنا ، تلك السيارة الجديدة التي بدأت تقف مؤخرا قرب منزل عائلة فلان ترى هي لمن ؟؟ كيف استطاع خبر شراؤها تجاوز أذنيه ، ولديه قائمة مفصلة بكافة سيارات المدينة وأصحابها ، نساء ورجالا ، خاصة وحكومية .....
لديه أخبار عاجلة جدا عن أي مولود ولد حديثا لفلان الذي لا تربطه به أي علاقة ، أو حتى جنين ينتظره علان قد لا يعرف خبر الحمل به أقرب مقربي الزوج أو المرأة !!!
ما أسس بيت ينال شرف مرور صاحبنا بالقرب منه أو حتى السماع عنه إلا ولديه تقرير عن صاحبه وتكاليف البناء ونوعيته ، وعدد الغرف ، بل نوع الأدوات الصحية التي (سـ ) تستعمل له .
لا تظنن أن خبرا سريا لديك ، وصل إلى أذني هذا البطل المغوار سيظل في أحضان السرية وبين جنباتها ، فيحرم الحرية والانطلاق كما حرمته أنت وأمثالك منه ، بل سينطلق انطلاقة رهيبة رغبة في التحرر والزيادات المطولة والتلفيقات الآثمة !!!
وإن أراد التأكد من الخبر أو بعض زياداته ، فلا تأخذ الأمور بتعقد وتزمت ، وتنتظر أن يأخذك في نجوى وانفراد ، فليس بينكما أسرار ، فصحن أي مجلس يضمكما مع عشرين شخصا أو أكثر موطن جميل للاستفسار منك عن الخبر !!!
وإذا أدرت أن ترى قمة الظرافة والنبل والمروءة في شخصية حلقتنا فادعه إلى بيتك أو بيت أحد أقاربك لم يتسنى له كتابة تقرير مفصل عنه ، وأنصحك أن لا تجهد فكرك في التفكير فيما ستتحدث به عند الضيف ، فالأشياء الجديدة والقديمة ومكان وضعها وترتيبها في البيت ، بالإضافة إلى النقوش والزخارف وطريقة البناء وغيرها ، كلها كفيلة بإضفاء جو شاعري من الأسئلة النبيلة الطريفة التي تتدفق على أذنيك أو أذني صاحب البيت المندهش كسيل ( هادئ ) عن كل تلك المعلومات وضواحيها !!!
ومصيبة المصائب أن أمثال هذا يقعون يوميا في مواقف محرجة من تضايق فلان وفلان من أسئلتهم التي لا تنتهي واستفساراتهم التي ليس لها حد ، وشخصياتهم المريضة التي تحب التدخل في كل تفاصيل حياة الناس ، وتأبى إلا أن تحشر أنفها في أي موضوع مهما كانت سريته وخصوصيته ، والأعجب من ذلك أنهم لم يفكروا يوما : ماذا جنينا فيما مضى ، وما قدمت لنا تلك المعلومات التي نؤذي بها المجالس ، ونؤذي بها أصحابها ، وننبش بها عن أسرارهم ؟؟؟!!!!
أخي الكريم ...
لا أدري كيف يعيش أمثال هذا ؟ وكيف يخشع في صلاته وأذكاره ومناجاته لربه ؟ بل كيف يحضر ذهنه في قراءة أو مطالعة وما إلى ذلك ؟ وكيف يجلس إلى أهله منصتا لهمومهم ومشاكلهم كي يقف على آمالهم وآلامهم ، ويعينهم في أفراحهم وأتراحهم ؟؟!!!
في تصوري أن مثل هذا القلب المشغول بكل هذا الشغل الذي نأيت بك – أخي الكريم – من قراءة بقية العجائب والغرائب في شخصيته الفضولية ، الذي يظن نفسه العبقري اللماع الذي لا تفوته فائتة ، إنما يعيش حياة شقية في كثير من جوانبها ، فتغيرات أحوال الناس ، ومستجدات حياتهم لا تنتهي ، ولو توقفنا عند كل سيارة تشترى أو بيت يبنى ، أو كيس يحمله فلان ، أو مكان ارتاده علان ، وأشباه ذلك ، لظلت علامات الاستفهام تدور ليل نهار في أذهاننا ، ولصرفتنا عن كثير مما يهمنا من أمر ديننا ودنيانا ، فإن من اشتغل بما لا يعنيه فاته ما يعنيه ، فالأيام تعدو بنا ، والساعات تمر مر السحاب ، وليس في حياة قصيرة كحياتنا فرصة لأن نحشر أنوفنا في كل خصوصية من خصوصيات الناس ، متخطين كافة الاعتبارات الدينية والاجتماعية والشخصية في سبيل الوصول إلى كل خبر تافه ....
ولا يفوتني أن أوجه برقية عاجلة إلى كل من يظن أن التدخل في خصوصيات الناس ، والبحث عن تفاصيل حياتهم الخاصة ، وأسرارهم ، وإحراجهم بالأسئلة الدقيقة عن معيشتهم أن ذلك حب استطلاع ،أن لا يقلبوا لنا المفاهيم رأسا على عقب ، فحب الاستطلاع إنما هو في العلم والمعرفة ومعالي الأمور ، وأن نفتح أعيننا على ما يدور حولنا من مآس تتعرض لها أمتنا المسكينة ، وما كان حب الاستطلاع يوما ملء القلب والفكر والوجدان بتوافه الأخبار ، وخصوصيات الآخرين ، بل ما كان محمد - صلى الله عليه وآله وسلم – ناهيا عن العلم والمعرفة والاستطلاع النبيل حين قال : " من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه " ، فكل ما لا يعنيك فهو فضول مذموم .....

محمد بن سعيد بن مطر المسقري

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق