الجمعة، 27 أبريل 2012

فقير ولكن ! .. الحلقة الأولى

كثيرا ما ترى بيتا متواضعا مرتكنا إلى إحدى زوايا القرية ، أو مختبأ وسط بيوتات الحارة ، يقول لك بلسان فصيح : أنا بيت فقير ..
لا ضير ولا عيب في الفقر  أيها المتواضع العارف لقدرك ، فالخلق عيال الله ، ولا فضل لأحد على أحد بمال وثراء ، فاضمم فقيرك ضما رقيقا ، وترفق به ، ما دام ولله الحمد يجد ما يظله ويؤويه ..
تسمع يوما عن أصحاب البيت أن فلانا أحسن عليهم بكذا ، وقد تحسن مثله ، وتعين هؤلاء وأمثالهم ، وتسمع يوما أنهم أخروا شراء مستلزمات المدرسة إلى أجل غير مسمى لعدم قدرتهم المالية ، وقد يمر عليهم العيد دون أن يغطوا نصف مستلزماته !! وربما سمعت ما هو أكبر من ذلك من شارات الحاجة والفاقة ..
لدى عائلهم راتب بسيط يبدده الدهر بمنشار حاجاته ، ويقطعه الزمان بسكين متطلباته ، وكأن المنشار يمر في ظهر الفقير لا ماله ، إذ الحاجة مؤلمة ، سيما في زمن المصالح الشخصية ..
المهم أنك تدرك أن الرجل فقير ، وربما تحت مستوى الفقر ، ولا أدري ما مستوى الفقر ، وما يسمى من يكون تحته ، ربما تجده في باب ( لئم ) فهو ( لئيم ) ، ( أجرم ) فهو ( مجرم ) في القاموس العالمي لرعاية الأنانية وحب الذات .
بجانب البيت ، وعلى مقربة من باب الفقير ، ربما استوقفتك لوحة خضراء جميلة تخرج من مصانع الشرطة – وليسمح لنا الشرطة إن خاننا التعبير – مكتوب عليها رقم ، ومعه كلمة ( فحص ) موضوعة في خلفية سيارة صغيرة جديدة ( ياريس – ريو - .. )  ، وبجانبها سيارة صاحبنا المتواضعة تواضع البيت والحال .
فتتساءل ، وقد تسأل : لمن هذه السيارة ؟
يجبك بعض الصبية المارون : لفلانة ابنة الرجل ..
نفحة أخرى من فضول تهب ، وتدفعك سائلا : وأين تعمل ؟
في مخبز ، محل هواتف نقالة  ، مركز أو مجمع تجاري ، محل تأجير سيارات ، محل ملابس رياضية ، محل تركيب أجهزة الاستقبال ، أو .. أو ..
تخرج صباحا بملابسها الأنيقة الغالية ، وعبايتها المزركشة ، وقد رشت غالي العطر وثمينه ، وتستقل سيارتها الجديدة  التي تأخذ منها شهريا نصف راتبها أو يزيد تدفعه عن طيب نفس ورضا خاطر للوكالة ، وبطبيعة الحال ، النصف الآخر لما تقدم ..
تشغل محرك السيارة وبحركة سريعة تنطلق إلى مقر ( عملها ) وما أدراك ما هو ، بل ما أدراك ما هي ..
وكي لا تصدم ، لا تسل عن سبب عمل مثل هذه الفتاة هنا ، فقد سأل غيرك قبلك ، وقد رأيت ما رأيت ، وسمعت ما سمعت ، والحال يخبرك ..
أعمل هنا لأن عائلتي فقيرة ومحتاجة !!
يجمل بنا أن نقول : لا تعليق ، فما نقول يا ترى ؟؟
أيتها الفاضلة :
أولا : تموت الحرة ولا تأكل بثدييها .
ثانيا : إن كان ما أخرجك لمثل هذه الأعمال حاجة أسرتك وفاقتها ، فما بالك تتركينها تترنح في فقرها ثملة ، لا ناصر ولا معين ..
ما بال عملك الرفيع لم يرفع أسرتك من تحت ركام الفقر ، أو يرفعه عنهم ؟
نعم عائلتك فقيرة ، ولكن نعالك وعبايتك قد لا تلبسها بنات الأثرياء !!
أسرتك محتاجة غير أنك تدفعين  شهريا أربعين ريالا أو يزيد لوكالة السيارات ولمدة عدة سنوات !!
أسرتك في فقر مدقع غير أن أدوات تجميلك شهريا قد يسد حاجة الأسرة الفقيرة في أرز أو طحين أو شيء من إخوانهما !!
فمالك تدفعين الفقر بالإفلاس التام ، وتتصرفين وكأن دخلك مئات الريالات شهريا ، أبالإفلاس الذريع يعالج الفقر ؟!!
رابعا : أما ترين أنك تجلبين لأسرتك المزيد من الهموم ، فهمهم كان واحدا وهو الفقر ، وأصبحت ثلاثة ، الفقر ، ووجود المال غير المنتفع به ، ووجود ابنتهم في مكان لا يصلح لها ، وفي ذلك من الشبهة والريب ما فيه ..
أيتها الكريمة ..
إن الفتاة العاقلة هي من تنأى بنفسها عن مواطن الشبهات ، فإن كانت أسرتها فقيرة بحثت عن مصدر بعيدا عن أعين الذئاب ونظراتهم ، فما كل الرجال أمين ، ونحن نعرف بعضنا ..
فلا تخادعي نفسك ،  وتغالطي الحقيقة ، فما أفلح من حاربها ..
وقبل أن نغادر المحطة ، أحب أن أنوه أنا لا نعني الفتيات المحتشمات اللاتي تأبى أن تعمل في أماكن الرجال ، كما أننا لا نسخر من الفقر وأهله ، فلسنا هناك ..
تابعونا في الجزء الثاني  من فقير ولكن ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق