الاثنين، 23 أبريل 2012

رجل الأحلام

لم يرق له العالم من حوله ، ولم تعجبه الأجواء المحيطة به ، بل لم يقتنع بها يوما ..
وملت رجلا فكره من قيود الواقعية ، التي فرضت عليه العيش في حدود إمكانياته وطاقاته ومواهبه ..
مهلا ... علكم ذهبتم بعيدا حيث الطامحين لللأمجاد ، المعانقين لأعالي السحاب في هممهم وآمالهم الراقية !!
كلا فما أؤلئك قصدت ..
إنما عنيت ذلكم الذي عشش حب الدنيا في قلبه وباض وفرخ ، فأشغله عن واقعه ودينه وأمته ، ولم يقتنع في لهاثه المستميت خلف حطامها يوما بما وهب له من إمكانات وقدرات وطاقات ، بل قرر التحرر والانطلاقة والطيران محلقا في أجواء الخيالات ( الجميلة ) والأحلام الوردية المدغدغة ...
فتجد ذهنه دوما شارد في التخطيط لمشاريع دنيوية وهمية ، ليس لها أساس من الواقع ، وهي خارجة تماما عما وهبه الله وما أعطي له ، وما اعطي له كثير لو عقل !!!
تارة بقصر ضخم يرسم له في ذهنه خارطة مفصلة دقيقة عن غرفه ومرفقاته وحشمه وخدمه وجواريه وذهبه وياقوته وثمين جواهره ...
وأخرى في سيارة من نوع قد لا يطمع فيه ثري واسع الثراء والجدة ، يتصور فيها نفسه مسابقا الرياح ، متخيلا الجميع فاتحين أعينهم بإعجاب لا مثيل له ، وهو يمر أمامهم بسيارته الفخمة التي ربما لا يملك ثمن إطارها في الواقع !!!
وثالثة ببستان واسع جدا ، صفته تشبه كثيرا صفة ما أعده الله للمؤمنين في الجنان ، قد سبقهم إليه صاحبنا في الدنيا ، في عالم أحلام لا يكلف كثيرا !!!
لا تجده إلا سارحا شارد الذهن ، يفكر بعمق شديد ، ويغيب عن عالمه غيابا تاما ، وقد لا ينتبه لأي شخص حوله ، وقد يخطئ الطريق التي قصدها ، من شدة شروده وغيابه الذهني ، فتظن أن هموم الأمة أثقلت كاهله ، أو أن أمور الدعوة والعلم والعلا شغلت باله ، وأقلقت فكره ، وأورثته ذلك الشرود الدائم ....
فما تلبث إذا اقتربت منه أن تكتشف أنه ليس إلا سابح في أودية الخيالات الدنيوية ...
هو مع الأهل شارد ، لا مجال للاستماع إليهم أو الاهتمام بهم ، فلهم كامل الراحة مستقبلا فور حصول صاحبنا على ما تمليه الخيالات الوردية !!!
ومع الصديق والزميل شارد ، يمشي معه ، يسمع منه كلمة ويغيب عشرا ، كي يوفر الوقت للتفكير العميق في الخطط التنموية الرائعة ، وفي ثراءه الفاره وغناه الطويل العريض في المستقبل الوقت الكافي للاهتمام بالصديق والزميل !!!
كذا هو نهارا ، وتلك حاله ليلا ، حيث ترهق تلك العينين المسكينتين بطويل السهاد ومؤلم الأرق سابحة رغما عنها في بقية المشاريع التي لم تنجز نهارا !!!
يا هذا ....
أتنظر كنزا ينزل لك من السماء التي لا تمطر ذهبا ولا فضة ؟؟!!!
أم ترى في نفسك ميزة عن غيرك تمنحك خوارق توصلك لذلك ؟؟!!!
ألم تقنع عيناك المرهقتان بما وهبك الله من نعم تتقلب فيها ليل نهار ، أم أن النعمة في القصر الفاره والسيارة الفخمة فحسب ؟؟!!!
ما تظن أحلامك الورديو وخيالاتك الذهبية بالغة بك ؟؟!!!
ألم تمل طويل الأرق ، وعميق الشرود ؟؟!! أم تراك حققت ما تريد ؟؟!!
أرى أن تقف قليلا وقفة بسيطة لتدرك أنك صفر اليدين مما تحلم ...
 فعش واقعك وطاقاتك ومواهبك ، فإنه الهروب في وديان الخيالات لا يخرجك من واقعك إلا في رحلة خيالية تتوهم فيها النجاح ثم ما تلبث أن يسحبك الواقع بقوة إليه ويلفك بين أحضانه ...
ليقل لك بحزم : انك بين يدي ، فلا تحلم .....

محمد بن سعيد المسقري
Mq99@hotmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق