الاثنين، 23 أبريل 2012

حمار الدنيا

يستيقظ باكرا لينقر ركعتين قد لا يذكر الله فيها إلا قليلا ....
ليدلف سريعا إلى مزرعته الكبيرة التي يأبى أن يضع فيها عاملا كيلا يبتز شيئا من أمواله على حد تعبيره ، يقوم ببعض الأعمال على عجل ثم يخرج ....
ممسكا مقود سيارته متجها إلى وظيفته التي يبقى فيها حتى منتصف الظهيرة .....
وفي طريق العودة ....
يتصل بزوجته الغنية مالا ، المفتقرة عاطفيا ونفسيا ، قبل وصوله للبيت لتعد الغداء ، فلديه أعمال كثيرة ، ولا وقت لتضييعه !!!
يأكل لقيمات على عجل ، وقد يضع ظهره قليلا على الأرض في استراحة لا تتجاوز نصف الساعة ....
يلتفت التفاتة عجل صارخا في وجه أولاده أن يهتموا بالمزرعة عصرا ، ساردا قائمة الأعمال التي تنتظرهم .....
ثم يمسك عنان ( التكسي ) أو ( سيارة التدريب ) أو ( شاحنة البضائع ) أو ما شاء الله أن يشقيه به ....
ليأكل عمله الدؤوب بقية نهاره ، وصدرا من ليله الذي جعله الله سكنا ....
يعود صاحبنا وفي العظم من التعب ما فيه ، وعلى الأعصاب من الإرهاق ما يصعب وصفه ...
ليس ثمة وقت للجلوس إلى ( الأهل ) ، كما أن النفسية محطمة ، والقلب مشغول باليوم الشاق غما ، وبالغد المنتظر هما ....
حينها يكون الارتماء على الفراش المسلك الوحيد ...
أخي القارئ ...
تلك دورة يومية لحياة صنف من الناس ، لا يعرفون للراحة طعما ، ولا للاستقرار سبيلا ، فهم في عمل الدنيا دائبين ، وفي وديانها غارقين ....
وهب الله أيديهم ما يكفيها وزيادة ، بل إن بعضهم له من الأموال عقارا وسيولة ، في وظيفته وعقاراته ما يغني عوائل عدة ،  غير أن قلوبهم الضامئة إلى الدنيا ، ولعابهم السيال لمتعها وحطامها ، لم يخلهم وسبيلهم ، فكانوا كحمار الأشغال في النهار ،جيفا في الليل ...
لا نحسدهم على ما يجنون وما يحصدون ، فكله من خزائن الله ، ولا ندفع لهم من جيوبنا شيئا ، وإن كان أمثال هؤلاء في حالة من الشقاء لا يستساغ معها حسد أو غبطة ....
غير أن الله – سبحانه وتعالى – جعل المال وسيلة للراحة والسعادة ، لا مصدر شقاء وبلاء ، وخلق متع الحياة ليعيش الناس معها في رخاء ويعمروا بها البسيطة ،لا أن يكونوا حمر أشغال شاقة ، من نصب إلى نصب ...
أيها المشغول ....
لقد رزقك الله ما يكفيك ، وإن كانت لك آمال خيرة ، ونوايا حسنة في جمع المزيد ، فليكن ذلك في مشاريع استثمارية ، وصفقات مضاربة ، وعقود إيجار ، فاستأجر من يثمر لك شيئا من مالك من الشباب الطامح للعمل ، ودع عنك هذا الشقاء الذي سلبك راحتك ، واختطف عقلك وفكرك ، وطار بهما في فضاء اللهاث خلف الدنيا ، وما أضيقه من فضاء توهمه أمثالك رحبا ....
فإن الله قد خلقك إنسانا قويما لك نفسيتك ، وفكرك ، وعقلك ، وكل ذلك بحاجة إلى استجمام وراحة ، وتدبير في الخير والصلاح ، والإعمار النافع المثمر ،ولم يخلقك حمار أشغال يكدح كدحا لا أكثر ...
وقد وهبك أسرة تحتاج إلى من ينظر في حالها ويهتم بشؤونها ، ويحسن رعايتها وتأديبها ، وتنشئتها على الخير ...
فما تجني يا ترى من لهاث خلف لك نفسية محطمة وزوجة أشبه بالأرملة والمطلقة ، وأولادها قد يكون الأيتام أحسن حالا منهم ، لسان حالهم يقول :
لا نريد غنى وثراء باهضا ... نريد أيا يرعى شؤوننا ويقف على آمالنا وآمالنا ..
نريد أن نراك بيننا حقا يا أبي .....

محمد بن سعيد المسقري
Mq99@hotmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق