الاثنين، 23 أبريل 2012

المتعالم

عندما سأل رب العزة ملائكته عن الأسماء ، " فقال انبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين " ردوا بقولهم : " لا علم لنا إلا ما علمتنا " ، وما أنف الكرام ولا ترددوا ، وما ادعوا ما ليس لهم .
غير أن من الناس من تصعب عليهم هذه الكلمة ، فأخرجوها من قاموس حياتهم ، فأشق الشاق عند أحدهم أن يقول : لا أعلم !!!
إذا سألته عن مسألة فقهية مثلا حرم وحلل وكره وأباح كما يملي عليه هواه ، وبدون أدنى تردد ، وإن احتار وخاف كشف الزيف ، ادعى الخلاف والأقوال في المسألة ، وإن خاطبته في علوم أو طب فهو الخبير فيهما ، وهذا ديدنه في كل مجال ، حتى لو كان لا يعرف في المجال أبسط المعلومات !!!
وكم ضلل من أناس ، ولبس عليهم دينهم ، وخرب عليهم أمور دنياهم ، بادعاءه الخبرة في كل شيء ...
ومن الغريب أن تحويرهم للمسألة واللف والدوران فيها يكون في بعض الأحيان أوضح من قرص الشمس ، فهم يفرون من انتقاد الناس لجهلهم في ذلك الشيء ، فيقعون في فك رباط ثقة الناس بهم بالكلية ...
عالمنا الجليل ....
قد تم الكشف على شخصيتكم المريضة ، فظهر أنكم مصابون بمرض اسمه ( التعالم ) ، وتقول الفحوصات الدقيقة التي أجريت عليكم للتو أن فيروسا خطيرا أخذ مكانا مرموقا في قلبكم ، يطلق إشارات وهمية إلى دماغكم ( اللماع ) مفادها أنكم تعلمون كل شيء ، وتحيطون بكل فن ، وما علم الناس بجانب علمكم الغزير إلا تفلة في بحر ، والمتخصصون إنما حملوا ألقابا زائفة تحتاج إلى ترقيات عدة لتصبح حقيقية وصادقة عن طريق النهل من أنهاركم العذبة الغزيرة الفياضة !!!
ولا أدري إن كنتم قد لاحظتم أن هذا الفيروس الخطير الذي ينخر في قلبكم ، وينهش من جانب التواضع ومعرفة القدر ما ينهش كل حين – قد سبب لكم مضاعفات خطيرة من أهمها أن الناس بدأت تنفر من جنابكم الموقر ، وتزهد في علمكم الغزير بعد أن تبين لهم عوار المسألة ، وانكشف لهم عن كثب زيف الادعاء ، وكذب المقولة ، وبان عظم الافتراء ، حتى انخفض مستوى الثقة بكم إلى حد يجعل الاقتناع بقولكم من الصعوبة بمكان !!!
وهل غاب عن علمكم الغزير أن القول على الله بغير علم أقبح الكذب وأسوأ الظلم  ، أم أنكم لم تقرؤوا  يوما أو تسمعوا قوله – تعالى - : " ومن أظلم ممن افترى على الله الكذب " ، أم أنكم تتعمدون تجاهل المسألة وخطر قدرها  ؟!!!
أم عزب عن خبرتكم الطويلة العريضة في الأمور أن الزيف والتزوير والتلفيق حبالها قصيرة ، لا يلبث عوارها أن يظهر ويبين ، وأن ستار الرياء والنفاق والتعالم إنما هو من الشفافية بحيث يرى ما خلفه من جهل بوضوح لكل من تأمل وتدبر وربما لمن هم في قصر من التأمل والفحص ؟؟!!!
عموما لا نطيل عليكم المكث ، ولا نريد أن نضيع وقتكم الثمين ، فإليكم وصفة العلاج باختصار :
غب عن ذاتك قليلا ، وارحل في عالم السموات والأرض بفكرة متأنية تدرك فيها أنك صغير الحجم ، وأن علمك الحقيقي لم يطل إلا نسبة ضئيلة جدا جدا من فسيح بستان العلم والمعرفة ...
وضع في ذهنك دوما أنك تحمل أثقالا وأوزارا بادعاءك ما ليس لك ، وقولك على الله بغير علم واقتحامك هذا الحمى الخطير ، وإن راعي الحمى يغار عليه ، وهو عليك قدير ، وهو لا شك جازيك يوما ما ...
وتذكر بأن المجتمع يؤمن بالواقعيات أكثر من إيمانه بالبالونات الفارغة التي يعظم حجمها ، ولا تحمل شيئا ...
فتعلم وتعلم واجتهد ، وانفع الخلق بما علمت ، ولا تغشهم بما لم تعلم ، فتردى وتردي ....

محمد بن سعيد المسقري
Mq99@hotmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق