الاثنين، 23 أبريل 2012

أبو لسان

ترى جموعا من الناس يتكلمون ثم يصمتون ثم يتكلمون ، فهل صادفت يوما من يفصل بين كلاميه بكلام ، فهو يتكلم ثم يتكلم ثم يتكلم ؟؟!!
أعتقد أنك قابلت هذا النوع من الألسنة التي لا تتعب ، ولا تضعف بطاريتها ، فهي تكدح ليل نهار باستمرار ، بدون إجازة ، سواء حصلت على مرتب وفائدة من كلامها ، أم كدحت كدح حمار الأشغال !!!
ألسنة تضيق بالصمت ذرعا ، وتأبى ركوبه ، فليس عندها له خطام كخطام الكلام الذي تخبط فيه خبط عشواء ، ولا أدري ألكلام يقودها أم هي تقوده ؟!!!
إذا وصل مجلسا أمسك بدفة الحوار فيه بمجرد أن يضع أول قدم فيه ، ثم يتابع كلامه المتواصل مترنحا من موضوع إلى آخر ومن زاوية إلى أخرى ، دون فصل أو تنظيم ، المهم أن لا يصمت ، وليت عشر ما يتفوه به في ذلك المجلس به منفعة عاجلة أو آجلة !!!
وإن ركب معك في سيارة ، فلسانه يبدأ في عمله الدؤوب بمجرد أن يغلق الباب عند ركوبه ، إلى أن يغلقه عند نزوله حيث يتعذر عليك عندها سماع حكمه المنثورة !!!
وهكذا هو في طريقة وذهابه وقدومه ، ودخوله وخروجه ، حيث وجد أحدا ، وربما كلم نفسه وتحدث مع ذاته ، وإخال هذا يشحن تلك اللسان المسكينة ليلا كما نشحن بطارية هواتفنا المحمولة !!!
قد يسمح لغيره أن يتكلم في حالات ليست بالكثيرة ، غير أنه لا يلبث أن يقاطعه بحزم ، أو ينسف كلامه - وإن كان سليما – نسفا بانتقاداته ومخالفاته التي لا تنتهي ...
هو في الدين عالم دين يفتي كل يوم برأي ، ويرتجل الأحكام الفقهية ارتجالا ، وهو في عالم الأبدان طبيب بارع يصف لك فوائد الأعشاب والأدوية وصفا قد يبرحك في مرضك أزمنة طويلة إن لم يتسبب في اجتلاب أمراض أخرى !!!
إن تكلمت في الهندسة فنعم المعماري هو وإن كان لا يعرف القياس بالمسطرة ، وإن تحدث عارف بالأحياء ، فرع له من أنواع الكائنات وفصائلها ما لم يصادفه كبار المختصين طيلة فترات تخصصهم !!!
طالما وقع في محظورات شرعية في كلامه ، فلسانه يمخر عباب بحر آفات اللسان ، حيث لا وقت لديه لأن يفكر فيما يقول ، أو ينتبه لما يتفوه به ، فليس للصمت لديه مكان !!!
وطالما ملت من ثرثرته الطويلة المجالس ، وملت همهمته التجمعات ، ومجت خبطاته العشوائية الأسماع ، وهو يظن أنه المحبوب المرغوب ، ويتمناه كل مجلس ، ويطلبه كل جليس !!!
يا هذا ....
ليس من وراء ثرثرتك الطويلة العريضة طائل ، فقد خلق الله لك أذنين لتسمع أكثر مما تكلم ، فأرح لسانك بقليل من الصمت تمنح فيه فكرك فرصة للفكرة والعبرة ، واستمع إلى غيرك باهتمام تجد الفائدة والعبرة ، واعلم أن الحوار فن ركنه الاستماع الطيب ، فتعلم فنه ...
واعلم أن في لسانك جروحا وخدوشا من كثر الضرب به هنا وهناك دون روية وتفكير ، فعلاجها الصمت ووزن الكلام وزنا ، واعلم أن كل كلمة محسوبة عليك ، فحاسب نفسك ...

محمد بن سعيد المسقري
Mq99@hotmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق