الاثنين، 23 أبريل 2012

الاسفنجي

قد تستغرب قليلا ، وتعتريك بعض الدهشة والذهول ، وأنت ترى قطعانا من الحيوانات ( المفكرة ) التي ارتأت تقبل أفكار هي من الضرر أنكى من سم الأفاعي ، وفي اللؤم أخبث من حيلة ثعلب ، بينما تجد آخرين ينتقون من الفكر أطيبه ، ومن الأساليب أحسنها ....
غير أني أنصحك ألا ترهق عقلك بكبير دهشة واستغراب ؛ خوفا عليه من أن يقابل يوما – وما أكثرهم لو تأملت – أحد لابسي شخصية هذه الحلقة ، ممن يحملون بطاقة ( الإسفنجية ) الذكية ...
أراهن أن عقلك المتزن الذي اعتاد على سليم الأفكار ، ستهزه نوبة من الدهشة ( الحادة ) حين يلتقي إنسانا جعل نفسه كالاسفنجة ، تتشرب أي سائل تنزل فيه بشراهة مفرطة حتى التخمة ، فإذا التقى بمتدين ، وسمع شيئا من الكلام الطيب ، والأفكار النافعة عب ما شاء الله أن يعب منها أن يعب إلى أن يجد شخصا آخر ذا فكر مخالف للأول ، لينهل من المعين الجديد ، ويزج بدفعة أخرى من الأفكار المناقضة للأولى .....
هو في محاولة جاهدة دوما أن يخلط بين فكرة الاستقامة وأفكار التميع ، ويزاوج بين الانضباط والتسيب ، يقر النظريات المتضادة في آن واحد ، ويمزج الأفكار المتباينة في إناء واحد ...
يقر هذه الفكرة اليوم ليلغيها غدا ، ويحل محلها ما اقتنع به في الأمس القريب أو البعيد ...
 هو مع الديمقراطية ما سمع ( فضائلها ) و ( محاسنها ) ، ومع القمع والدكتاتورية ما مدح جبروتها ، وزين له ....
تقوده رجله إلى المسجد أياما ، لتجره إلى مرقص أو حفلات ماجنة أياما أخر ، لاقتناعه بدرب المسجد من خلال كلمات سمعها من محبي المسجد ، وتخليه عن الفكرة لسماعه ما يضادها من عاشقي المرقص والحانة ، وصدره – ولله الحمد – ( رحب ) يتقبل كل وجهات النظر ، ومستعد للنهل من أي مشرب ....
هكذا تعيش الاسفنجة المتحركة بيننا ، التي لا شخصية لها بتاتا ، حيث انتزعت منها الإرادة الجادة بعوامل عدة عل من أهمها – في تصوري - :
·  عدم وضوح الهدف في الحياة ، وربما عدم وجوده كليا ، فربما كان صاحبنا يعيش تائها بلا هدف ينشده من حياته ، أو غاية يأمل تحقيقها ، أو أمل يرجو بلوغه عاجلا أو آجلا ، فطريق ( اللاهدف ) غير واضح ، لأن خط الطريق إنما يرسمه الهدف والغاية ، فإذا بترا محي الطريق ، فتخبطت أقدام المرء ، وتشعبت بها المسالك والطرق
ومن سلك الطريق بلا دليل *** تخبط هوة واشتاك شرا
·  الجهل بعواقب الخلط بين الأفكار المتضادة ، من اختلال في البنى العقلية والفكرية ، والتعب الذهني المستمر ، ونفور المجتمع بكافة شرائحه من هذه الشخصية التي تنزل في أي بركة ، وتسبح في أي مستنقع ، وتستسيغ كل شراب ، لعدم وضوحها ، وتقلب أحوالها ، وتغير أمزجتها وأفكارها .
·  الجهل بالقيم الدينة ، وفوائد الالتزام بها عاجلا وآجلا ، يجعل التزامها شيئا شاقا على النفس .
·  الطمع في الأعراض الدنيوية ، يقلب الفكر رأسا على عقب ، فيجعل المرء عبدا لشهواته ورغائبه ، يسعى إليها حيثما وجدت وبأي شكل ، المهم أن يشبع الغريزة وينال اللذة .
·  سوء التربية ، فالشخص الذي غرس فيه من صغره عالي القيم ورفيع الأخلاق ، يعرف جيدا بنور ما فطر ربي عليه ، أين يضع قدماه ، فيتجنب الأوحال ، ويرتاد المواضع الطيبة ، ويتجنب الطرق المنحرفة والملتوية .
إلى غير ذلك من العوامل النفسية والأسرية والاجتماعية والاقتصادية التي تخلق هذه الشخصية الاسفنجية المريضة ، وتوفر لها التعب والعناء طوال حياتها ...
أخي الكريم ....
قد يدور في ذهنك سؤال عن تجنب الوقوع في هذا المأزق ، فأقول :
أولا :العلم العلم ثم العلم ، وأعني به العلم الديني النافع ، والعلم بالقيم الرفيعة السامية ،فهو طريق تحديد الهدف ، ورسم الطريق الواضحة البينة ، وكشف زيف الأفكار الدخيلة والمنحرفة والهدامة ....
ثانيا : عندما تسمع فكرة أو حوارا أو خبرا أو تحليلا فاعرضه على العقل والشرع الحنيف ، ولا تجعله ينفذ إلى سويداء قلبك دون تفحص وتدقيق ، وكن بوابا لله على باب قلبك ، لا يدخله إلا ما يرضي الله ، كما يحرس الحارس المنزل من كل ما لا يريده صاحبه ، ولله المثل الأعلى .
ثالثا : لا تصاحب أي شخص ، فمن الناس من فكرهم لا يتجاوز أقدامهم ، ولا يعدو شهواتهم ومصالحهم الدنيوية ، ومطامعهم العاجلة ، وهؤلاء سم ناقع ، وإن ابتليت بمثلهم يوما ، فالبس لامة الحرب وقف عند الباب ، وفتش كل فكرة تريد الولوج .
واعلم أخيرا أن درب الاستقامة والصلاح يقي الإنسان من براثن الاسفنجية وتشرب أي فكرة زائفة ، ما أحيطت الاستقامة بالعلم النافع ، والورع الرادع .

محمد بن سعيد بن مطر المسقري
Mq99@hotmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق