الجمعة، 27 أبريل 2012

تربيتنا النفسية

أبي الغالي..... إني بحاجة إليك
أمي الحبيبة ....هل من حنان ؟
هل انا من سقط المتاع ؟
أليس لي كيان وأحتاج لمن يهتم بي ؟
عزيزي الأب .... عزيزتي الأم
مئات من أسئلة وعبارات من هذا النوع كثيرا ما نقرأها في وجوه وأعين بعض الأطفال والمراهقين ، بل ربما نطق ألسنتهم وتوجهوا بها لنا ، لنجدها تقع كالصاعقة على قلوبنا قبل أسماعنا .
عزيزي ... عزيزتي
إن حاجة الإنسان إلى الحب والمودة ، والعاطفة الرقيقة غريزة طبيعية في الانسان ، ركبها الله في بني البشر ليستطيعوا التعايش مع بعضهم في جو من الأمن والاستقرار والاتزان ، وهذه الحاجة تحتاج بلا شك إلى رعاية وإشباع كي تؤدي دورها وينعم الانسان بطيب نتائجها ، ولذيذ ثمارها .
وتلكم الرعاية وذلكم الاشباع يبدأ بالطبع من مرحلة الطفولة ، في أول مهد يدرج عليه الانسان ، ويحبو فيه أولى خطواته مع نواة المجتمع وأساسه ألا وهي الأسرة ، ثم يأتي دور المحاضن الأخرى كالمدرسة والمجتمع ..
أهمية التربية العاطفية والنفسية
تأمل معي أيها الأب الكريم ... تأملي أيتها الأم الفاضلة في حالتنا عندما يضايقنا أمر ، أو تضطرب نفسياتنا لبضع دقائق أو ساعات ...
ألقيا نظرة سريعة على التغيرات الوجدانية  والجسمية والفكرية والسلوكية حينها ...
ألا تتفقان معي أن كياننا بالكلية ينقلب رأسا على عقب ؟ تتوتر أعصابنا ، ويضطرب فكرنا وتتشوش عقولنا ، ونكاد لا نميز الصواب من الخطأ في أوج مراحل العقلية والادراك ، وكثيرا ما نحتار في تحديد التصرف السليم تجاه الموقف أو القضية ، وفي بعض الأحيان تسود الدنيا في أعيننا ، ونكاد نجزم أن الانتحار – والعياذ بالله – هو عين الصواب ، بالاضافة إلى ما قد يتبع ذلك من النحول الجسمي والتشنج العصبي والارهاق النفسي ...
ايها العزيزان
تلكما دقائق من الاضطراب النفسي حدث ما حدث فيها ، فما حال من حرم الأمن النفسي والدفء العاطفي منذ نعومة أظافره ،  وعاش في جو معكر عاطفيا  وأشرب كؤوس الاهمال العاطفي كأسأ بعد كأس ؟!!
وماذا يتوقع من سلوكه الحالي والمستقبلي ؟
 وكيف يكون عطاءه وانتاجه في الأسرة والمجتمع وهو يعيش في نفسية محطمة ، ودوائر مفرغة من القلق والاضطراب لا يدري أين بدايتها وما نهايتها ؟
أظنكما اتفقتما معي أن توفير عامل الراحة النفسية والاتزان الداخلي أساس من أسس العيش الكريم المتسق مع المجتمع ، وتأشيرة انضمام إلى سفينة التوافق الاجتماعي ..
فإليكما – نفع الله بكما الأجيال – بعض الاشارات السريعة في طريق التربية العاطفية والنفسية
أولا : كونا حانيين على طفلكما ، رقيقين في التعامل معه من غير ضعف أو خور ، تعاهداه بالقبلة الحانية ، والنظرة المشفقة ، واللمسة الوادعة ، والابتسامة الرقيقة ، والكلمة الحلوة ، والأسلوب الراقي ، واللقب الجميل ، والكنية الكريمة ، فإنكما بذلك تعبران عن حبكما له ، وتترجمان المعاني الودية الخالصة اللاتي يحملها قلبيكما ، كي يشرق قلبه , وتطمئن نفسه ، ويشعر بالارتياح والأمن والاستقرار .
فقد علمنا سيدنا الحبيب المصطفى – صلى الله عليه وسلم – الرحمة بالصغار والشفقة عليهم ، وكان – صلوات ربي وسلامه عليه – يقبل الحسن والحسين ، وعندما قال له رجل : إن لي عشرة من الولد ما قبلت أحدا منهم ، قال له : " من لا يرحم لا يرحم "
اعلما أيها الوالدان الكريمان أن الطفل إذا فقد جو الحنان والدفء العاطفي في الأسرة
بحث في المحيط الخارجي عمن يوفر له هذا الجو ، وربما استقبله رفقاء السوء ، أو احتضنه دعاة الفساد والرذيلة ، يكسبون قلبه ، بإشباع الناحية العاطفية ، ثم بعد ذلك يوجه هؤلاء سلوكه كيفما يشاؤون ، حيث أن ولاءه سيتجه إليهم ، فقد جبلت القلوب على حب من أحسن إليها ، وبغض من أساء إليها ،
فلا أظنكما ترضيان  – بارك الله فيكما – أن يعيش طفلكما بينكما كاليتيم وأنتما حيان ترزقان ، كما يحدث من بعض الآباء – هداهم الله - الذين يكون أبناءهم كاليتامى بل ربما يكون اليتيم أحسن حالا ، حيث أن اليتيم قد يجد من يشفق عليه، من  صالحي أقاربه ، لعدم وجود والده ، ولكن المصيبة ، عند وجود " صورة " أب لا يعرف الحنان إلى قلبه طريقا .
ثانيا : التخويف ليس وسيلة لتقويم السلوك وتعديله ، فلا تخوفا ابنكما باللص والكلب والشرطة – ونعتذر لإخواننا الشرطة – والأفعى وما شابه ذلك ، حيث أن الطفل ينشأ عندها في رعب وقلق دائمين ، كأن قلبه على جناح طائر ، حيث تصبح ثقته بنفسه ضعيفة جدا ، فيصبح محجما متخاذلا في كثير من أموره ، وهذه الأمراض النفسانية ، تنشأ عنها الكثير من الانحرافات ، لعل من أهمها الانحرافات الجنسية في مرحلة المراهقة وما بعدها .
ثالثا : إن ابنكما أوبنتكما يحتاج إلى من يجلس بجانبه ، يستمع إليه ، ويعرف همومه واهتماماته ، يفضي إليه بمشكلاته – عافانا الله وإياكم – ويقف على آماله وآلامه ، يصغي لحديثه ، فيزيح همه ، ويطبب جروحه ..
فكونا من أحسن المستمعين إليه ولا تهولا له المواقف والمشكلات ، وتجعلان من الحبة قبة ، بل أدخلا في قلبه الاطمئنان ، واغرسا فيه الهدوء والسكينة ، وحاولا علاج القضية بالطريقة الحكيمة ، وعلماه كيفية مواجهة أمثالها ، ولا تتركاه يصارع أمواج الحياة وحده بمجاديف هشة واهنة لم تعتد ضرب الأمواج بعد ، فإن مصير تجاهله ضعف ثقته بنفسه ، واضطرابه النفسي ، واليأس من النجاح والخوف من الفشل وما شابه ذلك .
رابعا: الترف داء الأمم ، والتدليل الزائد عدو التربية الناجحة ، فلم يذكر الترف ممدوحا في كتاب الله – عز وجل - ، فالترف والاغراق في المباحات وإعطاء النفس ما اشتهت ورغبت ، دون رقيب أو حسيب ، داء خطير .
وأسوأ ( هدية ) يقدمها الوالدان لطفلهما إغراقه في الدلال الزائد ، وتلبية كل طلباته ، دون أدنى نظر فيها ، فبذلك يكتبان شقاءه بأناملهما ، حيث يمهدان له لمستقبل يعيش فيه اتكاليا خائرا باحثا عن الترف والنعيم والدلال ، بأي شكل وبكل وسيلة ، ويتبع ذلك ما يتبعه من مفاسد وأخطار لا تخفى عليكما .
 خامسا : تجنبا التجريح والإهانات ، فإن لكل إنسان – وإن كان صغيرا – كرامته وشخصيته التي يحب أن يحترمها الجميع ، ويضايقه جرحها والتعدي عليها ولعل من أكثر صور الإهانات شيوعا نهرالطفل أمام أقرانه وزملاءه ، أوأمام أقاربه الكبار ، والضيوف ، وفي الطرقات ، سرعة تكذيبه في كل ما يقوله ، اتهامه بالخداع والمراوغة والتثعلب ، الضرب المبرح لأتفه الأسباب ، تجاهل ما يقوم به من خدمة ، مقاطعة حديثه كلما أراد الكلام ، السب والشتم والتجريح ، مناداته بالألقاب والكنى القبيحة ، النظرات الحادة ، ولطم الوجه ، وركل الولد بالأرجل ، والاستهزاء بطريقة كلامه أو مشيته ، أو أي عمل يقوم به ، تجاهل وجوده وعدم الاكتراث به ، القاء الأوامر التعسفية عليه واحدا تلو الآخر ، دون أن يعلم الفائدة وسبب ما يفعله .
سادسا : التشجيع التشجيع أيها الوالدان العزيزان ، فهو من أنجح الطرق لبث الثقة بالنفس لدى طفلكما ، فلا تستهينا بما يحققه في أي جانب علمي أو عملي ، وأبديا الإعجاب ، ووجهاه نحو الأفضل .
سابعا : لا تثيرا الخلافات والنقاشات الحادة بينكما أمام الأطفال ، حتى لا يتعقد نفسيا ، ويكره وجوده وحياته والكون من حوله ، ويرزأ مستقبلا بحمل هموم وأفكار هو وأنتم في غنى عنها .
ثامنا : لا تكبتا حرية الطفل ، و إذا منعتماه من شيء فافعلا ذلك بالحكمة وبينا سبب المنع ، والبديل ، ولا تتركاه في حيرة وشرود ذهني ، واضطراب نفسي .
وفي الموضوع وسائل أخرى كثيرة ، لعلكما تدركانها أكثر مني ، وفي الكتب المختصة الكثير والكثير ، فلا أطيل عليكما ، نفع الله بكما .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق