الجمعة، 27 أبريل 2012

ضعف التربية الروحية

التربية السليمة من أهم مقومات نهضة الأمة ، وإن أي خلل في التربية  ، يؤدي إلى حدوث ثلمات في جدران المجتمع وسقفه ، وربما أدى ذلك إلى تداعي جوانب البنيان ، وتهاوي أركانه ، حين ينشأ الشباب بعيدا عن التوجيه السليم ، الأمر الذي يقذف بهم في هوة الانحلال والتفسخ الخلقي والانحراف السلوكي .
ولا شك أن البناء الإيماني والضميري للإنسان ، هو الذي يتحكم في سلوكه الحالي والمستقبلي ، وبقدر العناية بهذا البناء ، وحسن تشييده ، يستقيم السلوك ، وتنحو الأعمال للوجهة السليمة ، حيث يكون هناك سائق داخلي يقود الجوارح .
والخلل في التربية الروحية لضمير الإنسان ، يؤدي إلى التخبط ، واللاموضوعية ، وغياب الهدف ، وضعف الغاية ، مما ينتج عنه الكثير من ألوان الانحراف
ومن سلك الطريق بلا دليل       تخبط هوة واشتاك شرا
فإليك –عزيزي - بعض الأساليب الخاطئة في التنشئة الروحية – طهرك الله -  :
(1)   توهين الإخلاص في نفس الطفل
أي تربية الطفل على المراقبة لغير الله تعالى ، والولاء لمن دونه ، وذلك بحشو دماغه وفكره ، بعبارات :
 حتى لا يقال كذا ، وحتى يقال كذا
كي لا يراك فلان أو يسمعك علان
فتنشأ في نفسية الطفل ، مراقبة غير الله تدريجيا ، حتى يصبح جل همه ، عبادة رأي الناس ، ونيل استحسانهم وإعجابهم ، فإذا ترك أمرا مستهجنا فلخوف نظر الناس ، لأنه لا يعلم علة تمنع هذا الفعل غيرها ، حيث تخفت دقات الجرس الداخلي ، الذي ينبه على وجود مراقب دائم عالم بحركات الإنسان وسكناته ، فإذا شب هذا الطفل ، وبدأت النوازع النفسية والشيطانية ، تحدثه بالجرائم ، أصبح من خفافيش الليل التي تختبئ  في النهار ، خوفا من عيون المجتمع ، وقد يصبح من أكابر أصحاب الجرائم السرية التي تحدث بعيدا عن رقابة المجتمع ، وكم عانت المجتمعات من هذه الجرائم التي تحدثها أصابع خفية ، سقط منها الوازع الداخلي ، والسائق الضميري ، بعد فقدانها التربية الروحية السليمة .
(2)   ضعف اليقين ، وقلة التوكل
يغرس بعض الآباء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في قلوب أبناءهم ، ضعف الاعتماد على الله ، والتوكل عليه ، فتجده يكثر من تخويفهم على الرزق ، فتجده لا يتحدث إليهم إلا عن صعوبة الوظائف والأعمال ،وقلة الأرزاق ، وضعف الموارد ، وما شابه ذلك ، ويبالغ في ذلك ، حتى يخيل للطفل المسكين أنه ميت من الجوع لا محالة .
وعندما يشب هذا الطفل ، ويبلغ مبلغ الرجال ، يصبح كل همه الحصول على المال من أي طريق ، وبأية وسيلة ، فإذا حصل على قبول في شركة أومؤسسة معينة ، تتعامل بالربويات في جميع مدخلاتها ومخرجاتها ، فإنه عندما يحط أول قدم على عتبة مكتبه في تلك المؤسسة أو الشركة يقول : الحمد لله الذي أوصلني بر الأمان .
أي أمان وأنت تصبح وتمسي على لعنة الله ورسوله .
أي أمان ومطعمك حرام ، ومشربك حرام ، وملبسك حرام .
وحتى لو عمل في وظيفة مكسبها حلال ، وأمر فيها بمقارفة معصية معينة ، فإنه لن يتردد في عملها خوفا من انقطاع الرزق ، وخوف المجاعة المرتقبة الذي غرسه أبواه في ضميره منذ نعومة أظافره .
وكان الأحرى بمثل هذا الأب أن يغرس في قلب طفله ، معاني التوكل على الله تعالى ، وسر قوله تعالى : "وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها "
حتى إذا شب ، شب واثقا من ربه ، معتمدا على قدرته ، يعمل بالأسباب ، ويبحث عن المكسب الحلال ، ولا يرمي نفسه أي واد من أجل الحصول على المال .
(3)   تقديس المادة
تقديس المادة ، إلى حد يخرجها عن الغاية منها ، يؤثر بلا شك على الناحية الروحية ، ومن مظاهر التربية على  تقديس المادة :
(أ‌)    تضخيم الأخطاء في الشؤون المالية
فإذا فقد الطفل درهما مثلا ، أو أخطأ مع البائع في نصف درهم ، أقام أبوه عليه الدنيا ، فلم يقعدها ، وصب عليه من الدروس والخطب ، ما يخلق في نفسه يقينا راسخا ، أن المال والمادة هما أقدس ما في الوجود ،وكم قصر هذا الابن في صلاته ، وكم تناسى سورا حفظها ، وكم أهمل في حضور حلقات العلم ، وكم وكم ، غير أن وجه والده لم يتغير إلى على فقدان الدرهم أو التفريط في نصفه !!!
فماذا يرتجى من السلوك الديني والثقافي في مستقبل هذا الطفل ؟؟!!!!
(ب‌)                       النظرة المادية للأشخاص
فتجد الأب لا يشيد إلا بالتقدم في الدرجات المالية والوظيفية
فلان حصل على درجة كذا ، وفلان ترقى لمنصب كذا ، وفلات ترشح لرتبة كذا ، ورصيده في البنك كذا وكذا .
أما الإشادة بأخلاق فلان الحسنة ، أو اهتمامه بالعلم ، أو تقواه وورعه ، أو سعة اطلاعه وثقافته ، فإن ذلك مما لم يسمعه الابن من في والده قط .
(ج) الاهتمام بتوفير الأمور المعيشية ، وإغراق الأبناء في الترف المادي، مع خواء في الناحية الروحية ، فيجعل الأب وظيفته الاهتمام بالحسابات المادية ، دون إلقاء أي اهتمام بالجانب الروحي والخلقي .
إن مثل هذه المظاهر ، وغيرها ، تجعل الطفل ينشأ على تقديس المال ، وحب المادة ، مما يؤثر سلبا على تصرفاته المستقبلية ، وينشأ حريصا على المال ، جامعا له ، كانزا لذهبه وفضته .
فماذا يرتجى من هذا في المشاريع الخيرية الدينية والاجتماعية ؟ وما ينتظر المحتاجون من شخص تربى على هذا ؟؟!!!
(4) تقديس الأنساب ،والفخر بالعرقية
ينشأ ذلك عن ملء سمع الطفل ، وحشو عقله ، بالحديث عن أنساب الناس ، وأصالتهم القبلية ، تقييما لهم على هذا الأساس ، فلا يسمع إلا عبارات : هذا مولى ، وهذا من قبيلة كذا وهي دون قبيلة كذا التي أصلها كذا وكذا ، أو أتت من البلاد الفلانية ، فعندما يشب هذا الطفل يكون النسب ، والعنصرية هي أهم الاعتبارات والمقاييس لتقييم الناس ، واستحقاقهم للاحترام والتقدير .
نعم معرفة علم الأنساب شيء طيب ، غير أن تقييم الناس، ووظعهم في درجات سلم الاحترام على هذا الأساس أمر مرفوض شرعا .
(4)   ضعف جانب النصح والارشاد في المنزل
يغيب التوجيه الديني ، والموعظة الحسنة في كثير من بيوتنا وللأسف الشديد ، فتجد الأب  لا يحرك ساكنا عندما يتهاون بحرمات الله في بيته ، أو يضعف اهتمام أبناءه بالناحية الدينية ، تشاغل عنهم  بأمور خارجية .
 وأخيرا تذكر دائما – عزيزي المربي – أن الارتقاء بالروح هو المهمة الأولى والأساسية للمربي الناجح ...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق