الاثنين، 23 أبريل 2012

إلا مالي !

التقى برئيس اللجنة الثقافية بالفريق ، فمد يده مصافحا بحرارة ، ثم بادره السؤال عن آخر المستجدات ، فأخبره عن مشروع أزمعوا إقامته ، خططه وبرامجه ، وصاحبنا يسمع ، غير أن الرئيس اقتحم أمرا خطيرا ، وارتكب جرما عنيفا ، حين ذكر حاجة المشروع لمساعدة الميسورين والقادرين ، فحول صاحبنا الموضوع بشكل فوري مباشر ، فقال رئيس اللجنة بأسى وحرقة ( ولم يبدها له ) : ماذا لو قلت له نريد منك كذا وكذا ؟؟!!!
موقف بسيط من المواقف دائمة العضوية في حياة صاحبنا الذي يأبى إلا الشح والإمساك المقيت ، ويأبى الناس إلا إحسان الظن فيه ...
ليس فقيرا فيعذر دوما ، وليس مدينا فترفع عنه الملامة ، جيبه دوما عامر بالنقود ، وليس تحته من العيال ما يستهلك إلا نسبة ضئيلة من تلك الثروات !!!
يحارب المشاريع الخيرية والاجتماعية بقنابل نقد عنقودية محظورة اجتماعيا وشرعيا ، وصواريخ تثبيط حاد ، بل وأسلحة دمار شامل تطيح بالمشروع من أساسه ...
إن لم يجد نقد المشروع وتخطيطه ، طعن في الأشخاص القائمين عليه ، وبدأ في الجرح والتعديل ، وكأنه ابن حزم في الحديث ...
يحب أن يقرأ ، غير أنه ليس في مقدوره اقتناء كتاب يدفع فيه مبلغ باهض قد يكون ريالا أو نصفه !!! بل ربما وجد عندك كتابا ,فقلبه معجبا ثم قلبه مفكرا باقتناء مثله إلى أن ملت من تقليبه تلك الوريقات المسكينة ، ثم يدعي عزمه على اقتحام الخطر ، ثم لك أن تسأله بعد شهرين : هل اقتنيت الكتاب الفلاني ، فيقول بكل برود : لا !!!
يحب أن يسعد أطفاله ، بالخروج معه إلى السوق ما لم تدفعم نفوسهم ( الطماعة ) إلى طلب هذه اللعبة أو ذلك الكتيب أو القصة !!!
وهكذا ديدنه مع تلك الصبية وأمهم وجدهم وجدتهم وبقية عائلتهم ، فمعاذيره وتثبيطاته جاهزة دوما ، فهي عدم توفر المال حينا ، وإعابة الشيء حينا آخر ، وتارة ثالثة بتخطيطه لمشاريع وهمية يوهم بها من حوله أن بخله الشديد لهدف نبيل وغرض سام !!!
هو مستعد للكذب والتزوير والتلفيق ، وهدم العلاقات ، وإفساد ذات البين من أجل أن تبقى ثروته سليمة لا تخدش ، ولا نبالغ إن قلنا أنه مستعد أن تخرج روحه ولا يخرج ريالا إلا فيما قل وندر !!!
أخي الكريم ...
إن البخل الشديد والتقتير المبالغ فيه ، آفة خطيرة حقا ، وأسلوب تعامل خطأ بمعنى الكلمة ...
أما دينيا فقد استفاضت آي الكتاب العزيز ، وأحاديث السنة النبوية الشريفة القولية والفعلية ، في مدح الإنفاق وذم البخل والتقتير في النفقة على العيال وإمساك المال ، فالكرم صفة لازمها المصطفى 0 صلى الله عليه وسلم  - طيلة حياته ، فكان أجود من الريح المرسلة ، وهكذا حث أصحابه فكانوا نعم المثال من بعده ...
ونفسيا هي الخوف والقلق على الموجود ، والطمع الدائم في المفقود ، والتوجس من طلب فلان أو علان ، وبذل الجهد الدائب في الكنز والتخطيط والصك والرص وعقد الصرر وغلق الأقفال ، فهي تعب وإرهاق تتكبده تلك النفس المسكينة !!!
وأسريا هي الفجوة الشديدة الاتساع بين البخيل وزوجه ، وبينه وأولاده ، بعد أن ذاقوا ويلات من مرارة الحرمان الطويل ، يرون معيلهم في سعة ، وكفه في قبض وضيق ، ولا أستبعد أن بعض الأسر تتمنى قلوبها من وراء حجاب أن يرحل هذا المقتر الشحيح من هذه الدار ، ليترك ما حرمهم منه !!!
أما اجتماعيا  ، فإن من المعلوم والمأثور أن الشخص الكريم محبوب بين الناس ، تنجدب إليه النفوس تلقائيا ، وله في القلوب مكانة ، يذاد عنها ذلكم البخيل الذي يرى أن ماله أغلى من مصالح أهل وأسرة وحاجة صديق أو مجتمع !!!
من جاد بالمال مال الناس قاطبة *** إليه والمال للإنسان فتان
فإلى كل جعل يده مغلولة إلى عنقه أقول :
اعلم أن الإحسان إلى الآخرين ، وإعانة الرحم والجار والقريب ، وتخفيف لأواء الفقر والفاقة عن المحرومين ، أمور تشرح النفس ، وتثلج الصدر ، وترفع عن فؤادك المعنى كثيرا من آلام الخوف والقلق والهم والغم الذي يحده كنزك الدائب للمال ، وتجعل منك الرجل المحبوب المحترم الموثوق به في الناس ، وستأويك أفئدتهم بجلالة وتقدير ...
فابسط يدك بسطا وسطا ، كما أمر ربك : " ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا " .
واعلم أن السخاء بما فيه من البركة والتيسير ، هو خير غطاء للعيوب والنقائص ، كما قال الإمام الشافعي :
إذا كثرت عيوبك في البرايا ** وسرك أن يكون لها غطاء
تستر بالسخاء فكل عيب ** يغطيه كما قيل السخاء

فلا ترهق نفسك  وتهلكها في كنز الفاني ، فإن كنزك لن يجعله باق ، فمحتوم عليه الفناء ..

محمد بن سعيد المسقري
Mq99@hotmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق