الجمعة، 27 أبريل 2012

كيف تربي طفلك تربية روحية ؟ الحلقة الخامسة

التربية على الإخلاص لله ودوام مراقبته

الإخلاص هو تجريد القصد والنية لله سبحانه وتعالى ، أي أن تتوجه نيتك وقلبك لله في كل أعمالك ، طالبا رضاه رضي غيره أم سخط ..
وهو جوهر الإيمان بالله سبحانه وتعالى ، لذلك فإن القلب المفعم بالإخلاص هو أعظم هدية يقدمها المربي إلى ولده ، فولدك إنما خلقه الله سبحانه وتعالى – كما خلقك – لعبادته – جل وعلا - ، وأنت حين تغرس في قلبه الصغير منذ نعومة أظافره معاني الإخلاص العظيمة فإنك توجهه نحو العبادة الحقيقية ، وتنحو به للعمل الصالح الخالص الذي يؤتي ثماره في الدنيا والآخرة – بمشيئة الله - ، وسترى ما يسرك منه حالا ومستقبلا – بإذن الله - ..
وإليك بعض الوسائل التي تعينك على صنع قلب صغير مليء بالإخلاص :
أولا : منذ بدايات نطق ابنك لقنه لفظ الجلالة ، فإن الكلمات الأولى التي تسبق إلى سمع الطفل ثم إلى نطقه تكون لها من الاحترام والقدسية ما ليس لغيرها ، فكلما جلست إليه قل له : حبيبي قل : الله .. الله ..
ثانيا : عندما تتسع دائرة وعيه ، ويمكنه أن يتقبل بعض الأسئلة التي تطلب إجابات قصيرة ، فلتكن أسئلة الإخلاص من أهم تلك الأسئلة :
يا حبيبي من ربك ؟ .. قل : الله
ثالثا : عند تحسن نطقه ، واتساع وعيه أكثر ، وتقبله لجمل قصيرة ، عليك بجملة الإخلاص : لا إله إلا الله ..
رابعا : عود طفلك على تعليل الأفعال بالحلال والحرام ، وغضب الله ورضاه ، فحين يفعل خطأ ما قل له : لا عمري هذا حرام ، أو : لا تغضب أمك ترى ربك سيغضب عليك ..
 وعندما تأمره بشيء قل له : افعل كذا حتى يرضى عنك الله ، اصنع كذا يعطك الله أجرا وحسنات ، قم بكذا يدخلك الله الجنة ، اسمع كلام ( ماما ) كي يحبك الله ..
وهكذا تتردد على الأذن الصغيرة لفظ الجلاله ( الله ) مقرونة بالرضا والغضب والثواب والعقاب والجنة والنار مرارا وتكرارا كل يوم ..
عندها يبدأ في تعليل الأمور بهذه العلة تلقائيا :
 حبيبي لا تفعل كذا ، يرد البريء : حرام ؟ يغضب علي الله ؟ لا يحبني الله ؟
بهذا تنأى بابنك عن المراقبة الدائمة للبشر الذين يحضرون ويغيبون ، ينتبهون ويغفلون ، يرضيهم الصواب أحيانا والخطأ أحايين كثيرة ، كما يفعل كثير من الآباء - وللأسف الشديد –  يربي ولده منذ نعومة أظافره  على المراقبة لغير الله تعالى ، والولاء لمن دونه ، وذلك بحشو دماغه وفكره ، بعبارات :
 حتى لا يقال كذا ، وحتى يقال كذا
كي لا يراك فلان أو يسمعك علان
فتنشأ في نفسية الطفل المسكين مراقبة غير الله تدريجيا ، حتى يصبح جل همه ، عبادة رأي الناس ، ونيل استحسانهم وإعجابهم ، فإذا ترك أمرا مستهجنا فلخوف نظر الناس ، لأنه لا يعلم علة تمنع هذا الفعل غيرها ، حيث تخفت لديه دقات الجرس الداخلي ، الذي ينبه على وجود مراقب دائم عالم بحركات الإنسان وسكناته ، فإذا شب هذا الطفل ، وبدأت النوازع النفسية والشيطانية ، تحدثه بالجرائم ، أصبح من خفافيش الليل التي تختبئ  في النهار ، خوفا من عيون المجتمع ، وقد يصبح من أكابر أصحاب الجرائم السرية التي تحدث بعيدا عن رقابة المجتمع ، وكم عانت المجتمعات من هذه الجرائم التي تحدثها أصابع خفية ، سقط منها الوازع الداخلي ، والسائق الضميري ، بعد فقدانها التربية الروحية السليمة .
فلا يمكن للمجتمع أن يراقب حركات كل فرد مراقبة دقيقة ، ولا يمكن للسلطات أن تضع شرطيا لكل شخص يراقب كل تصرفاته ، ويبلغه عنه ، وإن فعلت فقد يغفل الأخير وقد يرتشي وقد يسامح في غير موضع المسامحة وهكذا ..
هذه المراحل الأربعة تغرس في طفلك بذور الإخلاص لله سبحانه وتعالى ، ويبقى سقي هذه البذور بماء الإخلاص ، إخلاصك أنت لله ، واتجاه أفعال الأسرة بأكملها لله تعالى ، كي لا يقال للطفل لا تفعل كذا لأن الله سيغضب عليك ، ثم يرى أباه الذي يعلمه غضب الله ورضاه عندما يمر عليه فلان ( المتدين ) للصلاة ذهب معه مجاملة وإلا جلس في البيت يصلي كما تصلي النساء وقد يهملها البتة !!
هذا يحدث انفصاما رهيبا في الشخصية ، إنه اضطراب مفهوم الولاء ، وفشل القلب في تحديد وجهة إخلاصه وعبوديته ..
فرجاء لا تجعل قلب ولدك يسأله كل يوم بطريقة غير مباشرة : من ربنا ؟ ومن الأولى أن نرضيه أو نغضبه : الله أم فلان أم فلان أم الناس أجمعين ؟؟
لا تجعل ولدك يصل إلى مرحلة يكون فيها غضب الله أهون من كل شيء باستهتارك بالأشياء التي قلت له فيها أنها تغضب الله ولا ترضيه أو أنها تدخل النار ، أو أن الله لا يحب من يفعلها ..
نعم هذه هي النتيجة فعلا ، حين يكون مدار الحديث حول الإخلاص لله ، ومدار الأعمال : كي لا تفضحنا عند فلان ، أو كي لا يغضب عليك فلان ، حينها ترمى الأقوال الكاذبة في أقرب سلة مهملات ، وتسجل الأعمال في ( القرص الصلب ) لعقلية الطفل وقلبه ، ومنها ينطلق والعياذ بالله ..
فباختصار عليك أن تجعل طفلك يرى  ( الله ) على أنه أهم المهمات ، وولاءه أكبر الولاءات  ، من خلال تكاتف التعليم والتطبيق معا ، وإياك أن تفرق بينهما فتمزق قلب ابنك في أودية الرياء والتصنع والنفاق ، ويصبح كل همه أن يرضي هذا وذاك ، راميا رضا ربه خلف ظهره ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق