الاثنين، 23 أبريل 2012

البالونة

أنف يناطح السحاب ، ويدان مفرودتان تتأرجحان في مشية مرحة مختالة ، ورجلان تضرب الأرض بقوة وكأنما تريد اختراقها ، وقلب ينبض بغرور عجيب ، وإعجاب مقيت ، ونظرات ازدراء وسخرية تلقى على الجميع ....
هذه مقومات مشية صاحبنا ، وتلك زيوت وقود محركه العظيم ...
إن خاطبك حاول جاهدا أن يمرر الكلام من أنفه بدل فمه ، ولو كان في أنفه لسان لاستغنى عن لسان الفم ، ولم تعد إليه ثمة حاجة كحاجة باقي الناس ، وصغراء القوم ....
لمثله صدور المجالس ، وأعالي المكانات ....
إذا جلس إلى زملاءه وإخوانه ، نصب نفسه عليهم أميرا ، فأمر ونهى ، وشرع ، وجرح وعدّل ، ورضي عمن شاء ، وسخط على من شاء …
أما في الرحلات – وما أدراك ما الرحلات – وما شاكلها  ، فإنه يصرح بتسلمه ( منصب ) الإمارة قبل أن تؤمر الجماعة ( من هو دون المقام ) ، دفعا للمفسدة ، وإظهارا لنعمة الله !!!
وقد يتواضع قليلا ، فينصب أحدا ممن هم في منزلته ، من باب : أمّرني وأأمرك !!!
وسواء أٌمره غيره ، أو أمر نفسه ، فإنه يبدأ مباشرة بإصدار أوامره التعسفية دون الرجوع إلى بقية ( الشعب ) الذين  لا يمتلكون حصافة الرأي التي يتمتع بها أمثاله …
وإن تكرم عليهم استشار على وجه السرعة شخصا أو اثنين من ( ذوي المقام ) ليخرج الأمر عندها كالرصاصة مستمدا قوته ، من اتحاد قوة تبوء مثله الإمارة ، وقوة المشاورة ( الصورية ) !!!
وإن حدث ما لم يكن في الحسبان ، وتولى ( المنصب ) غيره ، فإن في أوامره النظر والفحص والتدقيق ، لا يؤخذ إلا بعدلها !!!
إذا خاطب الآخرين ، تخرج الكلمة من فيه سمينة الحروف ، ليعطيها نفخ حروفها فخامة تتناسب ، وفخامة خروجها من فم الأمير …
وويل ثم ويل لمن لم يحسن توقير المقام ، فيبتسم أو يمزح في حضرته ، فإن النظرات الحادة التي تنطلق من وجه صاحبنا لسان حالها يقول : أستقلالا لجاهي ؟؟!! أم استهانة بقدري وعظيم مكانتي ؟؟!!! ألم تعتد مجالسة ( الأكابر) ؟؟!!!
وإن مر عليك أو مررت عليه ، فالابتداء بالحديث يجب أن يكون من طرفك أنت ، فالصغير يسلم على الكبير ، وإن مر على جماعة بمفرده ، فعليهم مبادرته بالتحية والإكرام ، فجماعتكم فرد صغير في صورة أشخاص متفرقين ، وفرده يساوي جماعة بل يزيد على ذلك بكثير ...
وإن مر على صاحب بسيارته فلا ينتظر أن ينزل إليه مسلما ومصافحا ، بل يفتح جزءا بسيطا من نافذة السيارة بقدر ما يتشرف بسماع تحيته الباردة المستعجلة ، وذلك غاية الكرم ، وإلا اكتفى برفع يده باستثقال ، وربما تجاهله بالكلية وكأن أحدا لم يمر ، وكذلك أظنه !!!
لا يعرفون لكبار السن توقيرا ، ولا لأهل الفضل تقديرا !!!
حتى صار العبوس والتقطيب في وجوه الناس شارة على منزلته ، وموردا من موارد تنمية الهيبة والوقار !!!
وإن قدم مجلسا – وما أدراك بما ترزأ به المجالس – قفز في واجهته ، واحتضن صدره حضن المشتاق لمفقوده ، وفرض نفسه على الحاضرين فرضا ، ومما يعلم – إن كان يعلم – أن من سنة الحبيب – صلى الله عليه وسلم – أنه يجلس حيث انتهى به المجلس …
قد ملت مواطن الصدارة ، التي لم يتأهل أمثاله لها ، من حوزة شخصهم الكريم ، إذا شغلت فبه وأضرابه ، وإن خلت رمقوها بنظرات حادة ، كأنهم يريدون انتزاع المكان من المكان ، ليكونوا هم المحلّ والحالّ !!!
فإن رفع غيره لها ، وقدم على ( أصحاب الشأن ) فإن قدره لا بد أن ينزل - كي لا يتعاطى ما ليس له – ولو بسيل من النقد المتكلف ، والتشدق بخلافيات هامشية في ما يطرح من قضايا !!!
وكم عطلت طاقات ، وكم قتلت مواهب ، وكم دفنت قدرات ، لشغل المقام بهذه البالونات !!!
وإن دخلوا مسجدا – ولو في بلد غريب غير بلدهم – ( تشرفت ) السترة ، بسبق أمثالهم اليها ، وازدراء أصحاب المكان ، ولو كان فيهم من كان !!!
أيها المتعاظم
إعلم أنك صغير إلى درجة لو أراد الله أن يظهرك بها لم تكد ترى ....
صغير بتعاليك على خلق الله تعالى ، وصغير بترفعك عن خلق التواضع ، وسنة خير الخلق – صلى الله عليه وسلم –
فاعرف قدرك ، وراجع نفسك ، واعلم أن كبرك وتعاليك لا يزيدك إلا صغارا في صغار ...

محمد بن سعيد المسقري
Mq99@hitmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق