الاثنين، 23 أبريل 2012

الاتكالي

يتجه بعبارته الآمرة إلى فلان طالبا منه أن يقوم عنه بالعمل الفلاني ، ثم يدير ظهره إلى فلان مرسلا أمرا آخر بلهجة أقل حدة ، وألطف أسلوبا أن اعمل لي كذا وكذا ، ليتفرغ للتوسل لثالث بعد أن وعده الأوليان بفعل ما أمر – بأن يقوم بمهمة جديدة ....
قد اعتاد تسطير الأوامر على الناس ، حتى صارت صفة لا تنفك عنه ، فقلما يقوم بشأن من شؤونه بنفسه ، وكأن الناس خدم أنزلوا له من السماء ، فعليهم واجب الطاعة والانقياد ، وله أن يأمر أيا ممن حوله بما يشاء ، وليس عليه بعد ذلك حتى مجرد الشكر ، ولولا أنه مضطر لأن يقوم ببعض الأعمال البسيطة كالأكل والشرب ، لطلب من هذا وذاك أن يأكل أو يشرب عنه !!!
وقد يرفض فلان أو يتقاعس علان أو تحول دون بغيته ظروف وعوائق ، فتثور ثائرة ( السيد المطاع ) ، فيسخر من عذر الأول ، ويماري الثاني في ظروفه وأسباب امتناعه ، ويزيد توسله للثالث ، وقد يصرخ في وجه أحدهم ، وربما وصف بعض ( خدمه ) بالكذب والتلفيق ، ومحاولة التهرب من ( المسؤوليات ) ، وإذا ما أخطأ أحدهم في المهمة خطأ ، فليس لجهده شاكر ، وإنما النظر والتدقيق في الخطأ ومواطن الزلل في العمل ...
وقد تتأخر أعماله ، وتتعطل بعض مصالحه بسبب اتكاليته المفرطة ، وقد يلقى عنتا أو رفضا من هذا وذاك ، غير أن كل ذلك هين في مقابل أن يرتاح ويفترش وسائد الكسل والدعة !!!
وإن تعجب فعجب ما تقرأه في وجوه بعضهم من عبارات كتبت بوضوح : هلموا فاخدموني ولا تتقاعسوا وإياكم والتسويف والاتكالية فهما داءا الخدمة ومن أنكى أمراض ( العبيد ) ...
وليت شعري هل ظن صاحبنا أن وسادة الاتكالية أهنأ من افتراش فراش نسج من عرق الجبين ، والكد ، وقيام المرء بشؤون نفسه ؟؟!!
أم أنه عندما سمع أن الكون مسخر للإنسان ظن أن الناس عبيده وخدمه ؟؟!!!
ربما ....
أخي الكريم
إن مثل هذه الشخصية المريضة لا يبقى لها صديق ولا حميم ، وينفر منها القريب والبعيد ، وأراهن أن أمثاله لا يمكن أن يتحملهم صاحب أو صديق بضعة أسابيع ، فللناس حرياتهم ، وكرماتهم ، ولا يرتضون لأنفسهم أن يقوموا بكل ما يأمر به أمثال هذا ، سيما في الأمور الاعتيادية التي اعتاد الناس أن يقوموا بها بأنفسهم ، وإنما يتعاون الناس فيما ثقل من أمورهم ، وما عظم من أعمالهم ، فيكونوا فيه يدا واحدة يحمل الجميع فيخف الحمل ، ويتناصر الكل فيسهل العمل ....
وما أحسن ما قاله الإمام عمر بن عبد العزيز – رضي الله عنه – حين خفت السراج  وهو جالس مع نفر ، فقام ليصلحه ، فقال من حوله : لو أمرتنا لفعلنا ذلك عنك يا أمير المؤمنين ، فقال : قمت وأنا عمر بن عبدالعزيز ورجعت وأنا عمر بن عبدالعزيز !!!
وقبل ذلك قول الحبيب المصطفى – صلى الله عليه وآله وسلم – في وصيته لنفر من أصحابه : " ولا تسألوا الناس شيئا " ، فكان أحدهم يسقط سوطه وهو على فرسه ، فلا يطلب من أحد أن يناوله إياه ، بل ينزل إليه بنفسه ، فرضي الله عنهم ...
أخي الغالي
إعلم أن نبيك – صلى الله عليه وسلم – كان يخصف نعله ويرقع ثوبه ، ويقوم بشؤونه ، بنفسه ، وكان في حاجة أهله وأصحابه ، وهو نعم القدوة والمثال ....
فما ثقل عليك حمله سيحمله عنك الصديق والرفيق والزميل ، وما قدرت عليه بنفسك ، سيما شؤونك الخاصة فاحمله بنفسك ، ولا تتكل فيه على فلان وعلان ، واعلم أن الناس تستثقل من يلقي علها الأوامر على عواهنها ، ويطلب منهم ما هو أولى به ، وقادر عليه ...

محمد بن سعيد المسقري
Mq99@hotmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق