الاثنين، 23 أبريل 2012

عبد المال

رمى بذرة منها في قلبه ....
أنبتت فأزهرت وأثمرت ثم تكاثرت .....
صارت كسواد من قطيع غير متحرك في بستان القلب حتى لم تدع فيه نقطة إلا وفيها نبتة قائمة منها ....
لم يسع القلب ثمار تلك النباتات لكثرتها واتساع رقعتها ، فعين العقل مكتب تسويق لتلك الثمار ، والجوارح أعضاء تصدير على الصعيدين الداخلي والخارجي ....
فكان حب المال يسري مع الدم ، ويفكر به العقل ، وتتحرك به الجوارح ، وهو الشغل الشاغل للفكر والوجدان ....
هو المحبوب الأول ، والمطلوب الأسمى ....
إذا رغب في الزواج بحث عن ذات الثراء قرينة له ، وشريكة لحياته ....
وإن خطبت ابنته فمصير الفقير أو متوسط الحال الرفض المباشر دون مبرر أو سبب مهما بلغ في الدين والأخلاق والقيم ، فابنته لا يليق بها إلا واسع الثراء ، ليتمكن من طلب المهر الذي ينوي أكله ظلما وعدوانا !!!
ينبلج الصبح كل يوم وفكر صاحبنا غارق في الطرق السريعة لتضخم الأرصدة وتضاعف الأسهم ....
ثم يرحل الفكر مع الشمس في دورتها الطبيعية في سكر غير طبيعي من حب المال ، فتنفتح عيناه حينما تنفتح بعد نقر ركعتي الصبح - إن قرر ذلك – على التخطيط المستميت في الأرباح ، ومنغصاتها ، وعوامل الزيادة والنقصان فيها ....
ويأتي الليل – وما أدراك ما الليل - ، فيعقد صاحبنا على رأس فكره حبلا وثيقا كي لا يفكر في أمور أخروية أو أية أمور أخرى غير ذات أهمية ، بل عليه أن يسبح في دائرة المال ( الفسيحة ) ، ويصارع القلق والخوف على الممتلكات من أي نقصان أو ضياع ، وربما احتاج لحبيبة صغيرة من منوم تساعد تلك العين المسكينة التي باتت تحرس في سبيل المال ، والتي بكت خشية نقصانه أو فراقه ، فجمعت بين الحسنيين ، فحق لها أن تساعد قليلا بشيء من النوم ( الهادئ ) في ظل أحلام مالية واسعة الخيال ......
أي حياة هذه ؟؟!!!
بل أي هم وهمة يحمل هذا ؟؟!!!
أظن هذا المسكين أن المال هو الأب والعم والأخ والزوج والقريب والرحم والصديق والدين والقيم والمثل والأخلاق ، فنصبه تمثالا يعبده بهذه الطريقة ، فلم يراع قرابة ، ولم يحافظ على صداقة طيبة ، ولم يلتفت لواجبات دينية واجتماعية تقع تحت مسؤوليته دنيا وأخرى ؟؟!!!
أيحسب أن ماله أخلده ؟؟!!!
فاستغنى به عن الاستعداد لدار أخرى تنقله إليها لحظة ما فكر فيها يوما إلا تفكيرا عابرا سرعان ما تدمغه الحسابات المادية وتطغى عليه ؟
أقصر يا هذا ...
ألا ترى أن المال الذي تود استعباده ، قد صيرك عبدا مطيعا لا تبصر إلا ورقه ، ولا تسمع إلا صوت دراهمة ودنانيره ، فأغلق حواسك على الالتفات إليه دون سواه ، حتى صرت أشبه بطائر في قفص ذهبي ، يلقى إليه شيء من بقايا طعام في صحن ذهبي أو ألماسي ؟؟!!
فانتبه ....
واعلم أن المال إنما خلقه الله – سبحانه وتعالى – وسيلة للسعادة الأخروية ، وإعمارا للحياة ، ولم يخلقه صنما يعبد من دونه ، وتباع الراحة والقيم والمثل من أجله ، وفي سبيل تحصيله وكنزه ......

محمد بن سعيد بن مطر المسقري
Mq99@hotmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق