الاثنين، 30 أبريل 2012

جامع ( كأنني أكلت )

في منطقة ( فاتح ) في اسطنبول ، وسط زحام الآلاف ، وبين المئات الذين يتجولون في السوق ، ويشترون ويأكلون ويصرفون ويبذرون ..
ولكنه كان شيئا آخر ..
حيث كان ممن يأكل ليعيش بينما يعيش ملايين الناس فقط ليأكلوا لا أكثر ، وشتان بين من يرى الحياة على أنها دار أكل ومتعة ، وبين من يرى الأكل فيها وسيلة يعبر بها الطريق ..
كان " خير الدين كججي أفندي " عندما يمشي في السوق ، وتتوق نفسه لشراء فاكهة ، أو لحم ، أو حلوى ، يقول في نفسه : "صانكي يدم" أي :  "كأنني أكلت" ثم يضع ثمن تلك الفاكهة أو اللحم أو الحلوى في صندوق له..
 ومضت الأشهر والسنوات ، وهو يكف نفسه عن كل لذائذ الأكل ، ويكتفي بما يقيم أوده فقط ..
وكانت النقود تزداد في صندوقه شيئا فشيئا ، حتى استطاع بهذا المبلغ الموفور القيام ببناء مسجد صغير في محلته ..
 ولما كان أهل المحلة يعرفون قصة هذا الشخص الورع الفقير ، وكيف استطاع أن يبني هذا المسجد ، أطلقوا على الجامع اسم "جامع صانكي يدم" ..
أي باللغة العربية الفصيحة : كأنني أكلت !
نعم ، عندما تعلو الهمة يصبح صاحب " كأنني أكلت " باني جامع بأكمله من تزهده في شيء من كماليات جانب من جوانب الشهوات ..
عندما يكون الهم الدار الآخرة لا يعدم المرء وسيلة للوصول إلى هدفه ومبتغاه ..
ولكن عندما يكون إشباع البطن هو الهم ، وإرواء الفرج هو الهاجس المهم ، تجد من يحك قفاه حتى يسيل منه الدم حين يطلب منه ريالان مساهمة في بناء مسجد !!
وحين ينزل العقل إلى الأسفل ليكون خادما للمعدة تأمره وتنهاه ، وعاملا عند الفرج يوجهه كما شاء ، بعدما خلقه الله موجها ومرشدا – فإن الموازين الصحيحة تنقلب ، فتصبح أعمال الخير التي هي في غاية السهولة من أصعب الصعوبات ، فكيف بالتفكير في بناء جامع أو حتى مسجد ؟!!
ويا خوفنا أن نكون من الصنف الثاني الذين عناهم النبي – صلى الله عليه وسلم في الحديث ، حين سأله بعض الصحابة : " يا رسول الله إن الناس قد قالوا لا إله إلا الله فخفي بها المؤمن من المنافق ! ، فقال الحبيب – صلى الله عليه وسلم - : " ألا  أدلكم على فصل ما بينهما ، أما المؤمن إذا أصبح فهمه الله والجنة والنار ، وأما المنافق إذا أصبح فهمه بطنه وفرجه ودنياه " ..
اللهم ارحمنا برحمتك ..
إذن كم من المسلمين هم من الصنف الثاني ؟؟
كم من المسلمين يصبح وهمه الله والجنة والنار فعلا ؟!!
الجواب مفزع ومخيف ..
عودة إلى " كأنني أكلت " ، لو ادخرنا كماليات أكلنا ، وبعض مصاريفنا التافهة بجدية وحزم وعزم ، وجعلنا شعارنا : " كأنني أكلت " أو " كأنني اشتريت " أو " كأنني اقتنيت " ، ألآ يكون لهذا المبلغ وزنه بعد سنوات ؟
ألا يحقق عملا من أعمال الخير التي نتصور أننا لا يمكننا أن نساهم بعشرها ، فضلا عن أن نقوم بها لوحدنا ؟
جرب وأنت الحكم ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق